التطبيع العربي مع إسرائيل .. مظاهره ودوافعه
غزة-علي سعيد عرفات
تسارعت، في الآونة الأخيرة، وتيرة تطبيع
العلاقات بين بعض الدول العربية ودولة الاحتلال الإسرائيلي، وراوحت خطواته بين
لقاءات وزيارات ونشر مقالات في صحف إسرائيلية، وغيرها. ففي تشرين الأول/ أكتوبر
2019، قام رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بأول زيارة علنية إلى سلطنة
عُمان، تلاها لقاء مع رئيس المجلس السيادي في السودان، عبد الفتاح البرهان، في
أوغندا في شباط/ فبراير 2020. وفي 12 حزيران/ يونيو 2020، نشرت صحيفة يديعوت
أحرونوت الإسرائيلية مقالًا للسفير الإماراتي في الولايات المتحدة الأميركية، يوسف
العتيبة، بعنوان "الضم أو التطبيع"، بعد ثلاثة أيام فقط من هبوط طائرة
إماراتية في مطار "بن غوريون"، قالت الإمارات العربية المتحدة إنها تحمل
شحنة مساعداتٍ إلى الشعب الفلسطيني بسبب تفشّي جائحة فيروس كورونا. وكان واضحًا أن
هذا لم يكن سوى تمويه؛ فقد رفضت السلطة الفلسطينية استلام هذه المساعدات، بسبب عدم
تنسيق الإمارات معها في هذا الشأن. وفي السابع عشر من الشهر نفسه، شارك وزير
الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، في المؤتمر الافتراضي السنوي للجنة
اليهودية - الأميركية، وألقى كلمةً قال فيها "إن التواصل مع إسرائيل مهم وسيؤدي
لنتائج أفضل من مسارات أخرى اتبعت في الماضي".
في الوقت الذي توصلت فيه دولة
الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات بينهما برعاية
أمريكية، نستذكر أبرز أحداث الصراع العربي الإسرائيلي:
ففي عام 1897 في بازل السويسرية تم عقد
المؤتمر الصهيوني الأول الذي تبنى برنامج تأسيس وطن معترف به للشعب اليهودي في
فلسطين. وفي عام 1916 تم توقيع اتفاقية سايكس-بيكو التي تعهدت بإعداد فلسطين دولة
لليهود. ليتم إصدار وعد بلفور عام 1917
لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين لتقوم بعدها الدولة الإسرائيلية في عام
1948.
تأسست منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964.
ولكن في عام 1967 احتلت إسرائيل الـ 22% المتبقية من أرض فلسطين بالإضافة إلى
مرتفعات الجولان السورية وسيناء المصرية. لتقوم بعدها حرب أوكتوبر (حرب تشرين
التحريرية) عام 1973. بعد حرب أكتوبر بخمس سنوات تم توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين
إسرائيل ومصر تلاها الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982.
الانتفاضة الفلسطينية الأولى اندلعت في وجه
الصهاينة عام 1987. ليتم توقيع اتفاقيتي أوسلو في عامي 1993 و 1995 بين إسرائيل
ومنظمة التحرير الفلسطينية. ومن بعد ذلك اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية
والتي تسمى بانتفاضة الأقصى في عام 2000.
في عام 2006 نشبت الحرب بين إسرائيل ولبنان
والتي سميت بحرب تموز واستمرت 34 يوما.
آخر وأبرز أحداث الصراع العربي الإسرائيلي
هو توقيع صفقة القرن في العام الجاري 2020 برعاية أمريكية
تعريف التطبيع
التطبيع هو المشاركة في أي مشروع أو مبادرة
أو نشاط، محلي أو دولي، مصمم خصيصا للجمع (سواء بشكل مباشر أو غير مباشر) بين
فلسطينيين (و/أو عرب) وإسرائيليين (أفرادا كانوا أم مؤسسات) ولا يهدف صراحة إلى
مقاومة أو فضح الاحتلال وكل أشكال التمييز والاضطهاد الممارس على الشعب الفلسطيني.
وأهم أشكال التطبيع هي تلك النشاطات التي تهدف إلى التعاون العلمي أو الفني أو
المهني أو النسوي أو الشبابي، أو إلى إزالة الحواجز النفسية. ويستثنى من ذلك
المنتديات والمحافل الدولية التي تعقد خارج الوطن العربي، كالمؤتمرات أو
المهرجانات أو المعارض التي يشترك فيها إسرائيليون إلى جانب مشاركين دوليين، ولا
تهدف إلى جمع الفلسطينيين أو العرب بالإسرائيليين، بالإضافة إلى المناظرات العامة.
كما تستثنى من ذلك حالات الطوارئ القصوى المتعلقة بالحفاظ على الحياة البشرية،
كانتشار وباء أو حدوث كارثة طبيعية أو بيئية تستوجب التعاون الفلسطيني-الإسرائيلي.
مظاهر التطبيع العربي مع الكيان
شهدت الفترة الأخيرة تسارع وتيرة التطبيع
بين العرب والكيان الصهيوني ومن مظاهر هذا التطبيع الذي شمل اغلب مناحي الحياه
فنجد التطبيع في الرياضة وتشارك الفرق
العربية الى جانب فرق دولة الكيان في المناسبات الرياضية في كلا البلدين وحتى
محاولة دوله الامارات شراء نوادي في دولة الكيان فعلا سبيل المثال :
في 9 سبتمبر/أيلول، انطلقت مفاوضات إماراتية مع إدارة نادي
"بيتار القدس" الإسرائيلي للاستحواذ على ملكيته، وفق قناة كان العبرية
و"بيتار
القدس" هو نادٍ إسرائيلي عنصري يُعرف عن جماهيره التطرف وتبني أفكار يمينية،
وهو يرفض فكرة انضمام أي لاعب عربي أو مسلم إلى صفوفه.
كما ونجد التطبيع في العلاقات التجارية حيث
يتم تصدير الخضار والفواكه من دوله الكيان الى الامارات العربية ويتم بيعها في
الأسواق ومكتوب عليها (من إسرائيل)
وتتعدد اشكال التطبيع فالتطبيع بالرحات
الجوية المباشرة بين الدول العربية والكيان اصبح شبه يومي ويقيم اليهود في فنادق
الدول العربية
ولم يقتصر التطبيع على هذا الشكل فقط وانما
اصبح تطبيع عسكري تشارك مقاتلات إماراتية الى جانب المقاتلات الإسرائيلية في
مناورات عسكرية مشتركة بشكل علني في مناورات
«انيوخوس»
تطبيع قديم متجدد
لم تكن هذه الموجة التطبيعية الخليجية
مفاجئة بحد ذاتها، وإن كانت لافتة في تزامنها وتعددها ونوعيتها. فالإسرائيليون
يُرجعون علاقاتهم بعُمان إلى سنة 1979. وحسب يوسي ميلمان محلل الشؤون الاستراتيجية
في جريدة معاريف، فإن جميع رؤساء الموساد منذ ذلك الوقت زاروا السلطنة. وظهرت
العلاقات الإسرائيلية العُمانية إلى العلن سنة 1994 (بعد توقيع اتفاق أوسلو)،
وأنشأ الطرفان مكاتب لرعاية المصالح التجارية بينهما. غير أن عُمان جمدت علاقاتها
بـ”إسرائيل” إثر اندلاع انتفاضة الأقصى سنة 2000.
وسبق لمسؤولين إسرائيليين أن زاروا الإمارات
تحت أغطية مختلفة، كما التقى سفيرا الإمارات والبحرين في آذار/ مارس 2018 في مطعم
كافي ميلانو في واشنطن بنتنياهو على مائدة العشاء في جلسة “ودية”، حسبما نشرت
الواشنطن بوست والأسوشيتد برس. وشارك فريقان إماراتي وبحريني في مسابقة دولية
للدراجات تنطلق من القدس المحتلة (4/5/2018)، بينما كان الصهاينة يحتفلون بسبعينية
إنشاء كيانهم، وبنقل السفارة الأمريكية إلى القدس؛ في الوقت الذي كان فيه
الفلسطينيون يستذكرون سبعينية نكبتهم. وحتى بعد أن عادت ريغيف من أبو ظبي، كان
وزير الاتصالات الإسرائيلي أيوب قرا يزور دبي ويلقي كلمة في مؤتمر دولي للاتصالات
السلكية واللاسلكية يوم 29/10/2018.
البحرين مضت على خطى التطبيع، ففي 9/12/2017
حيث زار وفد بحريني من 24 شخصية محسوبة على النظام دولة الاحتلال؛ وأعلن وزير
الاتصالات الإسرائيلي أنه التقى في 3/2/2018 مبارك آل خليفة (من العائلة الحاكمة
في البحرين) في تل أبيب. وتحدث أيوب قرا نفسه أن السعودية والبحرين والإمارات تدفع
بالعلاقات إلى الأمام وبشكل علني، وأن هناك زيارات متكررة من مسؤولين من هذه
البلدان.
من جهة أخرى، سجل مراقبون نحو 15 لقاءً
تطبيعياً بين مسؤولين سعوديين أو محسوبين على المؤسسة الرسمية السعودية مع الجانب
الإسرائيلي خلال السنوات الأربع الماضية، شارك فيها بشكل أساسي تركي الفيصل وأنور
عشقي. وتحدثت وسائل إعلامية إسرائيلية عن زيارة شخصيات سعودية كبيرة لتل أبيب وعقد
لقاءات معها، كما تحدث محمد بن سلمان عن “حق إسرائيل في الوجود”، وعن المصالح
المشتركة مع السعودية…؛ كما سعى إعلاميون سعوديون طوال الأشهر الماضية إلى تهيئة
المناخ لعلاقة سياسية رسمية محتملة مع ”إسرائيل”.
وربما فسر ذلك انزعاج نتنياهو وخوفه من تعثر
التطبيع، عندما تدخل لدى الأمريكان لصالح محمد بن سلمان (فيما يتعلق بمقتل خاشقجي)
حسب جريدة الواشنطن بوست.
مخاطر التطبيع
أن مخاطر التطبيع مع إسرائيل لم تكن يوما
مقصورة على القضية الفلسطينية وأرض فلسطين، بل انها تمتد إلى ما هو أبعد وأشمل من
ذلك، فالأمة الإسلامية هي المستهدف الرئيسي، من خلال إضعاف الاهتمام بالقضايا التي
تهم المسلمين وبالثوابت الإسلامية وتفكيك هوية الأمة الإسلامية. فبعد أن كان
التعامل وإنشاء علاقات مع إسرائيل يعد خيانة للفكر الإسلامي وللأمة الإسلامية
والعربية، أصبحت الدول الإسلامية والعربية تهرول لإنشاء علاقات مع إسرائيل،
وبالتالي تشتت الإسلام والمسلمين، ونشوء جيل متخبط الفكر والمبادئ، غير متمسك
بقيمه، يرى أن إسرائيل والدول الغربية نموذج للدول الناجحة المتقدمة، بغض النظر عن
النهج والأسلوب المتبع، فجيل مسلم عربي لا يعرف عدوه من صديقه، أخطر على الأمة
الإسلامية والعربية من التطبيع نفسه.
يعد التطبيع العربي الإسرائيلي تغيراً إستراتيجياً
هاماً وخطيراً في المنطقة العربية، إذ يعتبر نقطة قوة وإنجاز لصالح إسرائيل، في
المقابل فإن التطبيع العربي قد أضعف موقف القضية الفلسطينية وسط تخلي أكثر الدول
العربية تأثيرا في المنطقة عن دعمها لفلسطين، وانتقال دعمها لصالح إسرائيل، ومن
أهم تداعيات التطبيع العربي على القضية الفلسطينية مستقبلا، هو تراجع مكانة السلطة
الفلسطينية وتعجيل انهيارها، مما يؤدي إلى حدوث توتر في الشارع الفلسطيني، خاصة في
ظل الانقسام السياسي الداخلي الذي يعاني منه الفلسطينيون منذ عام2007، والذي كان
له دورا كبيرا في نجاح التطبيع في ظل تراجع وتخبط الموقف الفلسطيني في المنطقة
العربية. فضلاً عن أن التطبيع من المؤكد سيكون له دوراً في إنجاح صفقة القرن،
والمخطط الإسرائيلي لضم مناطق من الضفة الغربية إلى إسرائيل وتوسيع المستوطنات
الإسرائيلية.
هل ضعُف موقف الفلسطينيين؟
هذا التقارب العربي-الإسرائيلي، المعلن عنه
وغير المعلن، لا يقوي موقع الفلسطينيين في التفاوض، إذ يقول عبد المجيد سويلم إن
نقطة ضعف الفلسطينيين الرئيسية، زيادة على الانقسام الداخلي، هو هذا الانسياق
العربي نحو إسرائيل، فلولاه لما" تحدث نتنياهو عن الضم وغير الضم (ضم أجزاء من
الضفة الغربية)، ولولاه لما قدم دونالد ترامب لإسرائيل هداياه المعروفة"،
ويشرح المحلّل أن النظام العربي "كان موافقا على كل خطوات ترامب، لأن قادته
يعتبرون أن سقوطه سيشكل هزيمة لهم في مواجهة إيران أو سيصعب عليهم الحفاظ على
حكمهم".
غير أن أبو ظبي، تبرّر اتفاقية السلام مع
إسرائيل بأنها تتضمن كذلك "إيقاف ضم إسرائيل للأراضي الفلسطينية"، حسب
ما أعلنه ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد.
وجاءت الكتابات في الصحف الإماراتية لتدافع
عن هذا التوجه، إذ كتب سالم أحمد الجحوشي في العين الإماراتية: "أوليس إيقاف
الضم هو الأمر الذي أزعج السلطة الفلسطينية ونددت وشجبت واستنكرت ثم استنفرت العرب
للوقوف في وجه هذه الخطة التي يعتزم القيام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي؟ إذًا ما
الضير في إبرام هذه المعاهدة بين الإمارات وإسرائيل بضمان أمريكي وبشرط تستند عليه
خارطة العلاقات الثنائية بين البلدين".
غير أن بعض المشاهير الإماراتيين في تويتر
هاجموا بقوة السلطة الفلسطينية، وكذلك فعلوا، بلهجة أقل، بعض الكتاب الآخرين،
كالكاتب السعودي عبد الله بن بجاد العتيبي، الذي كتب على موقع العين: "بعض
القيادات الفلسطينية فقدت بوصلتها، وطاشت سهامها لا لأجل الشعب الفلسطيني وقضيته،
بل لأجل جيوبهم ومصالحهم الشخصية"، قبل أن يضيف في فقرة أخرى: "ثمة دول
معادية في المنطقة تحتل أجزاء من دول خليجية، ولم نسمع يوماً موقفاً فلسطينياً
يرفض هذا الاحتلال ويرفض المحتلّ، وأرض فلسطين ليست أقدس من أي شبرٍ يحتله أجنبي
في الدول العربية".
ماذا تبّقى للفلسطينيين؟
من البديهي ألّا تعترض أيّ دولة غربية على
الاتفاق الإماراتي-الإسرائيلي، لأن السلام العربي الشامل مع إسرائيل كان مطلبا
للمجتمع الدولي، لكن في الناحية الأخرى، تدعم قوى غربية كثيرة حق الفلسطينيين في
دولتهم المستقلة. وهذه القوى، بما فيها الاتحاد الأوروبي، لا تعترف بالمستوطنات
الإسرائيلية في الأراضي المحتلة منذ 1967. كما أن ألمانيا، التي "تتحمل
مسؤولية خاصة تجاه أمن دولة إسرائيل، تعترف بحق الفلسطينيين بدولة خاصة بهم"
حسب الخارجية الألمانية.
مستقبل القضية الفلسطينية
في ظل البيئة والبنية التي تعمل وسطها جامعة الدول العربية، وفي ظل غياب
حركة التحرر العربية التي شكلت رافدًا لحركة التحرر الفلسطينية وفي ظل الضعف
العربي ولتشرذم وانشغال الدول العربية في قضايها الداخلية مثل مواجهه الإرهاب
واخماد الثورات لا بل والتطبيع العلني مع دولة الكيان ، لنا أن نتخيل شكل المستقبل
الذي ينتظر القضية الفلسطينية، خاصة وأن الحديث عن المستقبل ليس خبط عشواء ، بل هو
تأسيس في الحاضر والذي سيكون المستقبل على شاكلته.
فليس من باب التشاؤم، لكن في ظل تصاعد
اليمين القومي والديني الإسرائيلي المتحالف مع اليمين الشعبوي الأمريكي ممثلًا
بإدارة ترامب، ووصول عملية التسوية السياسية إلى نهاياتها بعد أن قررت هذه الإدارة
تحديد إطار حل القضية الفلسطينية؛ من خلال فرض وقائع عملية على الأرض تراعي الرؤية
الإسرائيلية تمامًا، ولا تعطي بالًا للشعب الفلسطيني وحقوقه، فضلًا عن مرجعياته
التمثيلية سواء كانت منظمة التحرير الفلسطينية أو السلطة الفلسطينية، أي أن
المشروع الذي تسير وفقه الإدارة الأمريكية الحالية ليس مقطوع عن سياقاته
التاريخية، وخاصة ما وفرته له اتفاقيات أوسلو من أرضية، للوصول إلى خطر التصفية
الجدي الذي يتهدد القضية الفلسطينية، بعد أن تهيأت بيئة النظام الرسمي العربي له.
تعليقات
إرسال تعليق