تلخيص
رسالة ماستر بعنوان:
التدخل التركي في سوريا وأثره على الأمن القومي في سوريا
رسالة ماجستير
(2011-2018م)
التعريف بالرسالة والباحث
اسم
الرسالة:
التدخّل التركي في سوريا وأثره على الأمن القومي السوري (2011 – 2018م).
اسم
الباحث:
أ. أحمد نبيل زكي غانم.
اسم
الجامعة:
كلية الدراسات العليا - جامعة القدس.
اسم
المُشرف:
أ. د. وَليد حَسن المُدَلل.
لغة
الرسالة:
العربية.
تاريخ
الاعتماد من المُشرف:
1440هـ - 2019م.
عدد
صفحات الرسالة:
126 صفحة.
موضوع
الرسالة:
يتمحور موضوع رسالة الباحث حول تطور التدخل التركي في سوريا منذ العام 2011م وحتى
العام 2018م، وتبيان أثر هذا التدخل على الأمن القومي السوري، وقد كانت مشكلة
الدراسة في السؤال الرئيسي التالي: إلى أيّ مدى أثّر التدخل التركي في سوريا على
الأمن القومي السوري في (2011 – 2018م)؟
اعتمد الباحث على عدد من المناهج البحثيّة، وكان
في مقدمتها المنهج الوصفي التحليلي، إلى جانب منهج تحليل النظم، وأخيرا نظرية الدور
والمكانة.
تكونت
رسالة الباحث من أربعة فصول، وتحدث في الفصل الأول عن الإطار المنهجي للدّراسة،
بينما تناول الفصل الثاني تطور العلاقات التركية السورية في الفترة ما بين 1946 –
2011 م، واستعرض الفصل الثالث تحليل صيغ التدخل التركي في سوريا 2011 – 2018 م،
وفي الفصل الرابع بيّن سيناريوهات مستقبل العلاقة التركية – السورية في ضوء تطورات
الحراك السوري.
الفصل الأول: الإطار المنهجي للدراسة
1. مقدمة:
فقدت الدولة السورية
السيادة إثر امتداد ثورة الربيع العربي إليها في مارس 2011م، والتي كانت سبباً
للتدخل الأجنبي؛ سواء الروسي أو البريطاني أو الأمريكي أو الفرنسي، وبدأ الجميع
وقتها يبحث عن مصالحه ومكاسبه في الدولة السورية.
دعمت تركيا الثورة بشكل
واضح ومباشر، وآوت اللاجئين في أراضيها المحاذية لسورية معللة ذلك بالحفاظ على
أمنها القومي، كما تدخلت العديد من الدول الإقليمية مثل "اسرائيل"
وإيران ومنظمة حزب الله اللبناني الذي اعتبر رحيل نظام الأسد يؤثر على قوته.
أبدت تركيا مخاوفها من تفكك سورية
وبروز قضية الأكراد من جديد، وحاولت الوصول لحلول تُأمن أمنها لكنها فشلت،
واستخدمت القوة العسكرية بين الحين والآخر لحماية حدودها، وقامت بعملية "درع
الفرات" في شمال سورية في محاولة لفرض رؤيتها في الحفاظ على أمنها القومي،
كإجراء استباقي.
2.
مشكلة
الدراسة وتساؤلاتها:
أدى التدخل التركي لحالة عداء
مباشر مع النظام السوري، وضرب العلاقات الدبلوماسية مع الدولة السورية، وتتمحور
مشكلة الدراسة حول تطوّر التدخل التركي في سوريا منذ عام 2011م وحتى 2018م، ونتائج
هذا التدخل على تهديد الأمن القومي السوري، وظهور قضية الأكراد على الحدود، وتزايد
أعداد اللاجئين السوريين، مما جعل تلك الأحداث جديرة بالبحث.
تتركز محاور البحث حول سؤال مهم
ورئيس للوصول لما تسعى له مشكلة الدراسة، وهو:
ما مدى تأثير التدخّل
التركي في سوريا على الأمن القومي السوري خلال الفترة 2011- 2018؟،
وينبثق من السؤال الرئيس، أسئلة
فرعية تتمثل في:
أ. كيف تطوّرت العلاقات التركية – السورية
سياسيّا من 1946 - 2011؟
ب. ما الأهمية الاستراتيجية لسوريا من
المنظور التركي؟
ت. ما هي أهداف ومخاطر التدخّل التركي في
سوريا؟
ث. ما مستقبل التدخل التركي في سوريا في ضوء تطوّرات
الحراك السوري؟
3. أهمية الدراسة:
تبرز
أهمية الدراسة في أنها:
أ. مدخلاً لتحليل التفاعلات الداخلية
وتأثيرها في البيئتين الإقليمية والدولية، وما يتصل بها من قضايا راهنة في النظام
الدولي.
ب. توضح تصاعد دور تركيا في حكم حزب العدالة
والتنمية الذي يُمثل الإسلام السياسي المعتدل.
ت. تُظهر تحليل أبرز التفاعلات الإقليمية بين
تركيا وسوريا من ناحية، وما يرتبط بها من الأدوار التي يُمارسها النظام الدولي
تجاه تلك التفاعلات من ناحية أُخرى.
ث. تفتح آفاق جديدة للباحثين في مجال العلوم
السياسية والعلاقات الدولية، من خلال تسليطها الضوء على تحوّلات جديدة ومهمة بين
البلدين، وإبراز الدور الذي تلعبه تركيا في سوريا خصوصاً ومنطقة الشرق الأوسط
عموماً.
4.
أهداف
الدراسة:
تظهر أهداف الدراسة
كالآتي:
أ. توضيح تطوّر العلاقات التركية – السورية
سياسيّاً من 1946 – 2011م.
ب. بيان الأهمية الاستراتيجية لسورية من
المنظور التركي.
ت. إظهار أهداف ومخاطر التدخّل التركي في
سورية.
ث. استشراق مستقبل التدخّل التركي في سوريا
في ضوء تطوّرات الحراك السوري.
5.
منهج
الدراسة:
استخدم
الباحث عدة مناهج، هي:
أ. المنهج الوصفي التحليلي:
منهاج
استقصائي لظاهرة من الظواهر كما هي قائمة في الواقع، بهدف تشخيصها، وكشف جوانبها، وتحديد العلاقات بين عناصرها، أو بينها وبين ظواهر أخرى،
وهو يُحّلل ويُفسّر ويُقارن ويُقيّم بقصد تبصر تلك الظاهرة، ولا يقتصر على التنبؤ بالمستقبل بل ينفذ من الحاضر إلى الماضي
لكي يزداد تبصراً بالحاضر.
أما
الدراسة فمن المقرر أن تستخدم المنهج الوصفي التحليلي، من خلال تحليل العوامل التي
أدت للتدخل التركي المباشر في سوريا، وما هي التهديدات التي تدعي تركيا أنها يمكن
أن تصيبها؟ ومن ثم الكشف عن تأثير هذا التدخّل على الأمن القومي السوري، من خلال
تحليل خطورة هذا التدخل.
ب. منهج تحليل النظم:
يعمد
منهج تحليل النظم إلى تفسير طبيعة الأنظمة القائمة، وتحليل النظم في العلاقات بين
الدول، وتحديد الظروف والعلاقات الموجودة بين المتغيرات، وهو يتجاوز التحليل إلى
تفسير البيانات واستخلاص النتائج منها. وقد استخدمت الدراسة هذا المنهج في تفسير
طبيعة النظام القائم في كل من سوريا وتركيا، والعوامل التي يتم من خلالها تفاعل
هذه الأنظمة، ثم توضيح العوامل الضرورية التي دفعت تركيا الى التدخل في سوريا،
ومدى الارتباط والعلاقة التي توجد بين تركيا وسوريا مع مثيلاتها الإقليمية
والدولية.
ت. نظرية الدور والمكانة:
تقوم
هذه النظرية على فهم وتحليل دوافع الدور التركي في ظل حكومة حزب العدالة والتنمية،
وبحثه عن دور إقليمي فاعل، وستعمل الدراسة على توضيح ودراسة الأسباب التي تتخذها
تركيا في تبرير تدخلها في الدولة السورية.
6.
حدود الدراسة
أ.
الحد
الزماني:
يبدأ
الحد الزماني للدراسة من مطلع عام 2011 م، حيث اندلاع الحراك السوري، الذي أثّر
وما زال على العلاقات السورية مع تركيا، وتنتهي الدراسة عام 2018 م، وهو العام
الذي انقطعت فيه العلاقات التركية السورية.
ب.
الحد
المكاني: حدود الدراسة المكانية هي "تركيا،
سوريا" ضمن منطقة الشرق الأوسط.
7.
الدراسات السابقة
استندت الدراسة إلى بعض الدراسات ذات الصلة بموضوع الدراسة، ومن
أبرزها:
أ. دراسة نور الشربجي وعلا منصور (2017 م): الدور
التركي في الأزمة السورية:
تتكون الدراسة من مقدمة وثلاثة محاور، يُوضّح المحور الأول طبيعة حكومة
"حزب العدالة والتنمية"، وعلاقتها بجماعة الإخوان المسلمين، ويُبين
المحور الثاني الصور الأولى للتدخل التركي في الأزمة السورية، عبر عقد مؤتمرات
"للقوى المعارضة السورية"، ومحاولة استخدام ورقة حماية التركمان-
السوريين ذريعة للتدخل، بينما استعرض المحور الثالث العلاقة بين تركيا وتنظيم داعش
الإرهابي.
واستنتجت الدراسة أنه كان لتركيا دوراً هدّاماً في الأزمة السورية، أجّجت
النزاع وزادت من حدته، وحولت الأزمة السورية إلى حرب مفتوحة على الشعب السوري، عبر
تسهيل ظهور التنظيمات الإرهابية، والسماح بتزايد أعدادها وقوتها، وإخفاء مطامعها
في السعي لتحقيق حلم الإمبراطورية العثمانية.
ب. دراسة جلال سلمي (2017 م): السياسة التركية
حيال الأزمة السورية 2011-2017م:
تناول الباحث علاقة تركيا بالثورة السورية في الست سنوات من 2011 وحتى
2016م بالتفصيل تخصيص محور لكل سنة، وقد وضح الباحث في المحور السابع المراحل التي
مرت بها السياسة الخارجية التركية حيال الأزمة السورية، واعتمدت الدراسة على
المنهج الوصفي التحليلي.
وقد خلصت الدراسة أن السيناريو الأكثر احتمالاً هو تحرك تركيا نحو
حماية مصالحها القومية بعيداً عن شعار "يجب إسقاط نظام الأسد"، كما توصلت
لعدة نتائج، منها: أن روسيا اختلطت أوراقها في سوريا نتيجة تزايد اللاعبين
الإقليميين والدوليين في سوريا، وأن التدخل التركي يعني تغيير قواعد اللعبة في
سوريا.
ت. دراسة ميشال نوفل (2016 م): النزاع التركي
الروسي. سوريا التناقض الرئيس:
تدور الدراسة حول حادثة إسقاط الطائرة الروسية من سلاح الجو التركي، وتدهور
العلاقات السياسية بين البلدين، والسقف المحتمل للرد الروسي خاصة أن روسيا تمثّل
هاجساً أمنياً لدى الأتراك، كما أن روسيا تعد تركيا العدو الحقيقي لها تاريخيا.
ث. دراسة سعيد الحاج (2016 م): محددات السياسة
الخارجية التركية إزاء سوريا:
اتجهت هذه الدراسة لوضع أساسات السياسة الخارجية التركية بخصوص سوريا،
خاصة فيما يتعلق بإدراك إمكانيات ومحدودات الدور التركي في سوريا، وقد كانت تلك
الدراسة أشبه ما يكون بدراسة أصيلة ركزت على الأحداث بتفاصيلها.
ج. دراسة أسامة أبو إرشيد (2016 م): التدخّل
العسكري التركي في سوريا. حصاد الفشل الأمريكي:
تناولت الدراسة محورين، المحور الأول الانزعاج الأمريكي، والذي ظهر عقب
التدخّل التركي عسكريا في سوريا، والمحور الثاني المعضلة الأمريكية، والمتمثلة بوقوع
الولايات المتحدة بين خيارين أحلاهما مر، وهو الوقوف مع حليفها التركي، العضو في
حلف شمال الأطلسي، أو الوقوف مع قوات الأكراد التي أثبتت فاعليتها في محاربة داعش.
ح. دراسة صوفيا بو علي، ووفاء طوالبية (2016 م):
الدور الإقليمي التركي في ظل المتغيرات الإقليمية الراهنة 2010 - 2015 م:
تكونت هذه الدراسة من مقدمة وثلاثة فصول والخاتمة، وتحدث الفصل الأول
عن الأهمية الجيوسياسية لتركيا ومحدداتها، وتناول الفصل الثاني الدور الإقليمي التركي،
عبر دراسة العلاقات التركية بالجوار الإقليمي، والدور التركي في إدارة الصراعات
الإقليمية والدولية، وأما الفصل الثالث فقد تعرض إلى واقع الدور الإقليمي التركي،
من خلال توضيح أهم الإستراتيجيات التركية وخياراتها، ومحددات وانعكاسات الدور -
الإقليمي التركي.
خ. دراسة محمود الرنتيسي (2015
م): خيارات السياسة الخارجية التركية ومتغيراتها الإقليمية والدولية:
تُركز الدراسة على خيارات السياسة الخارجية التركية أمام
التحديات التي فرضتها المستجدات الدولية
والإقليمية، وفي حين اهتمت الدراسة
بالموقف الدولي
من الأزمة السورية، إلا انها ترى أن التدخل الروسي المباشر، وخصوصاً بعد إسقاط طائرة السوخوي، زاد في تعقيد
حسابات السياسة التركية، لكن التوافق
التركي السعودي يعد أحد أهم التطورات
الإيجابية بالنسبة لأنقرة.
ورجحت أن تركيا ستضاعف ضغطها على واشنطن بالتعاون مع السعودية وقطر، ستعمل لكسب الموقف الأوروبي لجانبها وتكثيف دعم المعارضة السورية، ودعم قوات البيشمركة في مواجهة داعش،
مع احتمال قيامها بأنشطة
عسكرية حال شعورها بالتهديد المباشر في منطقتها الآمنة، وبالنسبة للطاقة فستذهب لتنويع
مصادرها.
قدم الباحث دراسات أخرى غير السابقة وصلت لسبع دراسات، ركزت على نظرة
تركيا للعالم العربي وسياساتها الخارجية مع الجوار وخاصة سوريا وموقعها من الساحة
الدولية، وجاءت عناوين تلك الدراسات كالاتي:
أ. دراسة ميشال نوفل (2012 م):
تركيا في العالم العربي. الإطار المفهومي لإعادة توجيه السياسة الخارجية.
ب.
دراسة جنكيز تشاندار (2012 م): السياسة التركية "صفر مشاكل مع
الجوار" ولا جوار من دون مشاكل.
ت.
دراسة علي حسن باكير (2012 م): الثورة السورية في المعادلة الإيرانية–
التركية.. المأزق الحالي والسيناريوهات المتوقّعة.
ث.
دراسة عقيل سعيد محفوض (2012 م): سوريا وتركيا نقطة تحول أم رهان تاريخي.
ج.
دراسة علي
حسن باكير (2011 م): محددات الموقف التركي من الأزمة السورية، الأبعاد الآنية
والانعكاسات المستقبلية.
ح.
دراسة محمد
عبد العاطي التلولي (2011 م): السياسة الخارجية التركية تجاه سوريا 2002 – 2008م
خ.
كتاب أحمد داود أوغلو (2010 م): العمق الاستراتيجي.. موقع تركيا ودورها في
الساحة الدولية.
لخص الباحث الدراسات السابقة بما يلي:
أ.
بحثت
الدراسات السابقة الأزمة السورية التركية بتعمق كبير، وتُعد مرجع للسياسيين
والمحللين.
ب.
ذهبت بعض
الدراسات السابقة باتجاه الجوانب العامة وليس التفصيل العميق.
ت.
اعتبر
الباحث أن بعض الدراسات كانت بمثابة قاعدة لدراسته، وخصوصاً في العلاقات التاريخية
لتركيا وسوريا.
ث.
غابت
التفاصيل عن التدخل العسكري التركي في الدراسات السابقة، وهو ما سيتعمق به الباحث
في دراسته.
ما يميز الدراسة الحالية عن سابقاتها بحسب الباحث:
أ.
تدخل في
تفاصيل اعتبارات التدخل التركي في سوريا وخصوصاً الأمن القومي التركي والقضية
الأكراد والمنظمات المسلحة على حدودها.
ب.
تحلل
الدراسة العوامل التي دفعت تركيا للتدخل في الشأن السوري.
ت.
عملت
الدراسة على سد ثغرة بحثية في البعد المنهجي والنظري والتاريخي والاستشرافي.
الفصل الثاني: تطوّر
العلاقات التركية السورية في الفترة
1946 – 2011م
1. مقدمة:
استعرض
الباحث في هذا الفصل تطوّر العلاقات التركية السورية منذ عام 1946م وحتى عام
2011م، عبر ثلاث مباحث، يدرس المبحث الأول المحددات التي تحكم العلاقات التركية
السورية، وفي المبحث الثاني تناول العلاقات التركية السورية في الفترة من 1946م
الذي استقلت فيه سوريا من الانتداب الفرنسي، وحتى 1998م الذي وقع فيه اتفاق أضنة
الأمني، بينما ركز المبحث الثالث على العلاقات في فترة 1998 وحتى 2011م الذي شهد
الحراك السوري.
تمتلك
تركيا الحدود الأطول مع سوريا بمسافة 900 كم، لذا فإن سوريا هي بوابة تركيا في
التجارة البرية مع العالم العربي، يرتبط سكان الدولتين بعلاقات جيدة ونسب وصهر،
وترعى تركيا الأكراد الذين تمركزوا على حدودها مع سوريا، ولأنهم يمثلون خطراً على
كلتا الدولتين؛ فهم بحاجة لإدامة التواصل والتنسيق بينهما وهذا يحتاج لعلاقات
دبلوماسية حقيقية وقوية، فضلاً عن استقلال حلب في معاهدة لوزان عن تركيا، واشتراك
الدولتين في ملف لواء الإسكندرونة.
مرت
العلاقات التركية السورية بمراحل صداقة وتنسيق ومراحل عداء كادت تصل للحرب، وهو ما
يؤكد على أهمية دراسة هذه العلاقة والاستفادة منها.
2. محدّدات ومتغيّرات العلاقات التركية
السورية
أ.
العاملان
الديني والتاريخي:
يلعب الإرث التاريخي
عادةً دوراً قوياً في فهم العلاقات الحاضرة بين الدول ويُعطي تنبؤ عن سير العلاقات
مستقبلاً، وتجمع تركيا وسوريا قواسم عديدة كونهم جيران، فضلاً عن تعمق العلاقة مع
الفتح الإسلامي لتركيا وقيام الدولة العثمانية، لكن العلاقات تأثرت بقضايا مثل
الأكراد والمياه ولواء الإسكندرونة والحدود الطويلة، الأمر الذي أدى بتعميق الخلاف
بينهم.
اصطدمت العلاقات التركية
السورية بعدة أحداث أفقدتها الثقة المتبادلة بينهما، ولقد دفعت سياسات جمال باشا
الذي كان والياً على الشام باتجاه قيام تمرد على الدولة العثمانية بسبب القمع
والاضطهاد بحق المدنيين، ومع انشقاق لواء الإسكندرونة عام 1939م ساءت العلاقات
أكثر، وتعقدت مع قضية الأكراد والمياه، ولولا توقيع اتفاق أضنة عام 1998م لشهدت
المنطقة الحرب بينهما، ورغم ذلك إلا أن العلاقات بدأت بالتحسن بعد 1998م، لكنها
عادت مرة أخرى بسبب اندلاع الثورة السورية.
ضبط العامل التاريخي
والعامل الديني العلاقة بين تركيا وسوريا بحسب الباحث، وقد أسهم العاملان في متانة
العلاقة بين الدولتين على المستوى الشعبي والرسمي.
ب.
العامل
الجغرافي والديموغرافي
يملك الموقع الجغرافي
للدولة تأثراً كبيراً على علاقاتها الخارجية، ومع موقع الجوار بين سوريا وتركيا
والحدود البرية بينهما، أصبحت العلاقة بينهما تكاملية فالاقتصاد التركي يعتمد على
الطرق البرية السورية، ومع اكتشاف الغاز والنفط السوري زادت حاجة تركيا لسوريا،
ولكن بقيت قضية المياه إحدى الأوراق القوية بيد تركيا في ظل احتياج سوريا لها،
وبالرغم من اعلان تركيا عدم استخدام قضية المياه إلا انها لم تكن حقيقية،
واستعلتها تركيا في الضغط لوقف أنشطة حزب العمال الكردستاني والمقاتلين الاكراد،
ونجحت بذلك عبر تعهدها بتمرير 300 متر مكعب مياه مقابل وقف أنشطة الاكراد، وهددت
الامن القومي السوري بزيادة التعاون مع "إسرائيل".
تشترك سوريا وتركيا في
الجوانب الثقافية والدينية والاجتماعية، وأغلبية سكان البلدين من السنة مع أقلية
علوية وكردية، ويذهب الباحث لأهمية العامل الجغرافي والسكاني في تجذر العلاقات
السورية التركية.
ت.
الحراك
العربي السوري:
تعرضت سوريا لأهم محنة
في تاريخها مع اندلاع أحداث الربيع العربي في مارس 2011 م، الذي عصف بالدولة
ومكوناتها، وكان لتركيا دوراً متأرجحاً في هذه الأحداث أحياناً قوي وأخرى ضعيف،
بدأ مع المطالبة لنظام الأسد بالإصلاحات السياسية ثم دعم المقاومة ثم القبول
بالحلول السياسية، ثم التدخل المباشر، وتأثرت تركيا في تلك الأحداث بأمرين
رئيسيين: الأول تزايد نشاط حزب العمال الكردستاني، والأخرى قضية اللاجئين
السوريين، ولكن مع واقع الأحداث التي تُظهر أن نظام الأسد غير مؤهل للسقوط قد تعود
تركيا خطوة للخلف في علاقاتها مع الأسد وخصوصاً مع تزايد التدخل الإيراني في سوريا،
ومحاولة تركيا قطع الطريق على إيران في سوريا.
ث.
الدور
الإيراني
احتلت إيران مكانة
إقليمية بارزة في مطلع الألفية الثالثة، وخصوصاً مع بروز حركات الإسلام السياسي
المدعومة ايرانياً، ولكنها فقد جزء مع شعبيتها مع اندلاع الحراك السوري، وحلت
تركيا مكانها في اهتمام الشعوب العربية والإسلامية، ذلك لأن المشروع الإيراني بات
واضحاً أنه فارسي شيعي معادي لأهل السنة، وهذا المشروع متطابق مع النظام السوري
على عكس الشعب السوري السني، لذا نجد أن إيران ما فتأت أن تقف بجانب النظام
السوري.
أثر الحراك السوري على
العلاقات التركية الإيرانية، فبينما دعم تركيا المعارضة؛ دعمت إيران النظام
السوري، وتعتقد تركيا أيران هي المنافس الأقوى لها على الساحة الإقليمية، وبرغم
الاختلاف الكبير بين الشعب الإيراني والسوري إلا ان قيادة الدولتين اجتمعتا في
العديد من الملفات بنفس الرؤية، مثل نظام صدام حسين والهيمنة
"الإسرائيلية" الامريكية، وأيضاً المخاوف من سقوط نظام الأسد وبروز نظام
سني جديد لا يصب في مصلحة إيران والتحالفات الإقليمية والدولية المناصرة لها.
ج.
العلاقات
التركية - "الإسرائيلية"
أصبحت العلاقات التركية
"الإسرائيلية" دبلوماسية بعد اعترافها "بإسرائيل" عام 1949 م،
وصارت البعثات الدبلوماسية والممثلين والملحقين بينهما، وسمحت تركيا بهجرة اليهود
لفلسطين، وافتتحت سفارتها في "تل أبيب" عام 1950م، وأبدت
"إسرائيل" اهتماماً سياسياً بتركيا كونها دولة إسلامية لها علاقات واسعة
مع المنطقة العربية والإقليمية والدولية حتى تمنع عزلها اقليمياً.
بدأت العلاقات الحميمة
تتغير بعد استلام حزب العدالة والتنمية الحكم في تركيا عام 2002م، وزاد النقد
التركي الرسمي "لإسرائيل" بعد انتفاضة الأقصى 2000م، ووقفت تركيا ضد
المخططات "الإسرائيلية" الأمريكية التي استهدفت سوريا بعد حرب العراق
2003م، ورعت تركيا مفاوضات غير مباشرة بين سوريا "وإسرائيل" التي جاءت
بعد زيارة عبد الله غول لسوريا، وشهدت العلاقات التركية "الإسرائيلية"
توتراً آخراً إثر المناورات العسكرية التركية السورية عام 2009م.
بذلت "إسرائيل" جهداً كبيراً لتحسين
علاقتها مع تركيا بعد اندلاع ثورات الربيع العربي وخاصة الحراك السوري 2011م،
والتي اعتبرتها ذات تأثير كبير على أمنها القومي، ووطدت تركيا علاقاتها
"بإسرائيل" عبر عشرات السنوات وترى أن هذه العلاقات لا تتخالف مع أنها
دولة إسلامية ولها مصالح وتاريخ المنطقة العربية، فهي تعارض "إسرائيل" صراحة
في بعض مواقفها رغم علاقاتها الواسعة معها، وحاول أردوغان ضبط العلاقات مع إسرائيل
وعدم تطويرها، ولجأ لتوطيد العلاقة مع الدول العربية.
ح.
الدور
الإقليمي التركي في ضوء واقع النظام الإقليمي العربي:
دافعت تركيا عن القضايا
العربية والإسلامية وتفاعلت معها، وأبدت اهتمام كبير في القضية الفلسطينية ودافعت
عنها أمام المجتمع الدولي، ووثقت تحالفها مع إيران بتأكيد حق إيران في امتلاك
الأسلحة النووية، مع ذلك بقيت تُؤمن مصالحا وتدخلها للحفاظ على تلك المصالح الذي
كان واضحاً في تدخلها في العراق بحجة ملاحقة الأكراد.
تعتقد تركيا أن المنطقة
العربية بحاجة لإعادة تشكيل بعد حرب العراق 2003م خاصة مع تدهور الأنظمة العربية
وبروز دول الجوار الجغرافي (تركيا، إيران، "إسرائيل")، ودخلت كطرف فاعل
ومؤثر في الجغرافيا السياسية والأمنية للمنطقة من خلال التقاء المصالح، والثقة
المتبادلة، وبدأت بذلك التدخل في الشؤون العربية خاصة والشرق الأوسط عامة، ورغم
معارضة بعض الأنظمة العربية لموقف تركيا من الحراك السوري؛ إلا أنها استطاعت
الدخول للأنظمة العربية والتفاعل مع مكوناتها، وظهر ذلك في تعامل الجامعة العربية
مع تركيا وتعاونها فيما يخص النظام السوري، حتى أصبحت تركيا أحد أعمدة المؤتمرات
العربية التي تخص سوريا أو غيرها.
خ.
العلاقات
الأمريكية – التركية:
بدأت العلاقات الامريكية
التركية منذ الحرب العالمية الثانية على أساس المصالح والأمن المشترك، والتقت
المصالح بينهما أكثر في الحرب الباردة بناءً على موقع تركيا الجغرافي الذي منحها
دوراً كبيراً في مواجهة أطماع الاتحاد السوفيتي في الوصول للمياه الدافئة في الشرق
الأوسط، وتوترت العلاقة بسبب حرب العراق 2003م وعدم تأييد تركيا للضغط الأمريكي
على سوريا للانسحاب من لبنان عام 2003م، ولكن مع فوز أوباما في رئاسة أمريكيا زادت
العلاقة وتوطدت مرة أخرى خاصة مع زيارة أوباما لتركيا.
زادت الفجوة بين تركيا
وأمريكا إثر الموقف التركي من ثورات الربيع العربي، وتدخل تركيا في الحراك السوري،
واصرارها على ابعاد نظام الأسد في أي حل للأزمة السورية في حين تركيز أمريكا على
محاربة داعش، ومطالبة تركيا بإنشاء منطقة امنة في شمال سوريا يحكمها بديل عن الحزب
الكردستاني الذي تخشى أن يطالب بدولة تكون خنجر في خاصرتها.
يرى الكاتب أن أمريكا
تعتبر تركيا نموذج ديمقراطي معتدل لا يمكن تجاوزه في منطقة الشرق الأوسط، وهو عامل
مهم للسلام واستقرار المنطقة، ولا يمكن ظهور نظام إقليمي دون تأثره بتركيا.
د.
العلاقات
التركية – الروسية:
تطابقت وجهات النظر بين
تركيا وروسيا في حرب العراق وما بعدها مما زاد في تعميق العلاقة بينهما، وبدا أن
تلك العلاقة لن تستمر بسبب تناقض رؤية الدولتين من الحراك السوري حيث دعمت تركيا
المعارضة بينما دعمت روسيا النظام، ولكن العلاقة استمرت رغم وقوع التوتر بينهما،
ويرى الكاتب أن تلك العلاقة لن تستمر بسبب عدم توازن الموقف الروسي.
ترتبط روسيا وتركيا
بعلاقات أوسع وأكبر من أن تنتهي بالأزمة السورية، فالعلاقات الاقتصادية بينهم قوية
وأيضاً لا يمكن أن تتخلى روسيا عن دولة محورية مثل تركيا، وتُراهن تركيا على تغير
الموقف الروسي لصالها بعد استشراف المستقبل وتأمين مصالحها ببديل عن نظام بشار
الأسد، لأنها مرتبطة بمصالحها وليس نظام مُعين.
ذ.
التغيرات
في النظام الدولي:
على إثر تفكُّك الاتحاد
السوفيتي في مطلع تسعينات القرن الماضي، انقلبت الموازين في الشرق الأوسط، وخاصة
مع حرب الخليج الثانية، فقد اصطدمت تركيا بعددٍ من المخاطر كالمسألة الأرمنية
والأكراد في سريا والعراق، ما دفع الزعيم التركي (تورجت أوزال) لاستغلال تغيرات
النظام الدولي، طارحًا رؤيته "العثمانية الجديدة" بما تتضمن من قيام
دولته بدورٍ فاعلٍ في المناطق الممتدة حولها بما فيها الشرق الأوسط، ورافق ذلك
تكثيف تواجدها في المنطقة.
أما سوريا التي فقدت أقوى
حليف لها -الاستراتيجي-، فقد تلقت ضربة مؤلمة في سياستها الخارجية، ما اضطرت للتَّأقلم
فتعاملت بعقلية ناضجة، وخير مثال على ذلك أنها حلت أزمتها مع تركيا عام 1998م
بالطرق السلمية بعد أن كانت قريبة من المواجهة العسكرية الشاملة.
ومع نشوب الثورات العربية
وخاصة السورية أواخر عام 2010م كانت تركيا قد وقعت في معتركٍ صعب في الاختيار بين
الشعوب والحكام، فهي الديمقراطية الرائدة، ما دعاها للتحول تدريجيًا من طبيعتها
التعاونية إلى سلوكٍ متوتر أجبرها على التدخل في الشؤون الخارجية للدول، ونتيجة
لذلك انتهزت تركيا هذه الفرصة في تبرير تواجدها في سوريا، حيث الخطر المحدق على
حدودها معها.
3.
تطور
العلاقات التركية السورية من 1946 – 1998م:
سلّط
الباحث في هذا العنوان على مشكلاتٍ ثلاثة: لواء الإسكندرونة – مياه نهري دجلة
والفرات – دعم سوريا لحزب العمال الكردستاني.
أ. مشكلة لواء الإسكندرونة:
في ظل خضوع سوريا
للانتداب الفرنسي عقدت دولة تركيا مع فرنسا اتفاقا عام 1939م يقضي بضم لواء
الإسكندرونة لها، ما أدى لاعتراض سوريا على ذلك حيث تعد الإسكندرونة تابعة لها، متسلحة
بتضامن الدل العربية لمطلبها هذا -دون أي جدوى-، وظلت تركيا متمسكة بقرارها حتى
بعد تحرر سوريا من الانتداب الفرنسي وإثباتاتها بالخرائط أن اللواء جزءًا من
أراضيها.
ظلت العلاقات الدولية
لتركيا متوترة مع البلاد العربية، حتى سنحت فرصة لا تعوض كانت تركيا قد انتهزتها،
حيث وقفت بجانب الدول العربية منتصرة أمام الولايات المتحدة ضد قرار إسرائيل بعد
حرب حزيران 1967م بفتح خليج العقبة أمام سفنها، وقدمت كذلك المساعدات للسوريين على
حدودها، فرحبت عدد كبير من الدول العربية بموقف تركيا وأشادت به، ما دعم في جانب
التبادل الاقتصادي بين تركيا وهذه الدول بعد نشوب حرب 1973م ما زاد من العلاقات
الإيجابية بينها، دون أن يطرأ أي تحسن على العلاقات السورية التركية، لأن هذه
العلاقات مرهونة بالسياسات والتحالفات الدولية والإقليمية، وبقيت هذه القضية حاضرة
في عقل السياسة والمجتمع السوري، دون ضغوطات كثيرة، خوفا من فقدان القضايا الكثيرة
التي تربط سوريا بتركيا، كالمياه.
ب. مشكلة المياه:
تشكِّل المياه مشكلة
استراتيجية في تاريخ الصراعات في الشرق الأوسط إجمالًا لندرتها، فسوريا والعراق
وتركيا تشترك في مصدر واحدٍ ألا وهو "نهري دجلة والفرات"، التي تتحكم
تركيا بهذا المصدر من حيث سوريا ككل، والعراق كجزء، بحيث لا تحترم حقوق هاتين
الدولتين واعتبار أحقيتها الأعلى في هذه المياه، برغم تجريم القانون الدولي لفعلها
هذا، فلا حقوق دولية تسايرها، فقد كانت رؤيتها خاصة ومنفردة، ولا اتفاقاتٍ واضحة
تلزمها؛ لأن كل التي عقدت كانت غير تخصصية كالأحد عشر اتفاق الذي حدث ما بين عامي
(1920 – 1989م).
لقد استغلت تركيا ورقة
الضغط هذه، فأي عداءٍ سوري، يقابله تهديد تركيٌّ بقطع المياه أو تخفيضها عنها، دون
أن يصل الأمر لمواجهةٍ عسكريَّةٍ بين الطرفين، كتهديدها بقطع المياه عنها حال رفض
سوريا تسليم (عبد الله أوجلات) لتركيا، عدا ما حدث في خمسينات القرن الماضي من
قيام تركيا بحشد جيشها على حدود سوريا لولا التدخل المصري للدفاع عنها، نتيجة
اختلاف وجهات النظر التركي السوري، فتركيا خلت حلف بغداد، أما سوريا فقد تقربت من
التيار القومي التحرري في حينه، لتكون هذه المرحلة من أصعب فترات العلاقات بين
الجانبين، لتزداد حدتها حين تنفيذ تركيا لعدد من المشاريع المائية على نهر الفرات،
ومنها:
1) مشروع جنوب شرقي الأناضول الكبير:
الذي
أجبر الرئاسة التركية على عقد تعهد مع سوريا بتنازلٍ تركي، نتيجة فشل اللجنة التي
شكلت للنظر حول تقاسم مياه الفرات لتوليد الطاقة الكهربائية واستخدام مياهه لغرض
الري.
2) مشروع أنابيب السلام:
نتيجةً
للضغط الإعلامي الممنهج من الدول العربية تجاه تركيا، وخوفا من إجبار تركيا على
عقد أي اتفاقٍ إقليمي يضمن لكل من سوريا والعراق حقيهما في مياه النهرين، أقامت
الأخيرة اتفاقٍ معهما ببيعهما الفائض من مياه الأنهار عبر خطوط الأنابيب بأقل
تكلفةٍ وجهد.
3) المشكلة الكردية:
استغلت
سوريا صراع تركيا من كردستان التي تبنت الكفاح المسلح لتحقيق مشروع إنشاء دولة
كردستان الكبرى، فقدمت دعما لمجموعاتٍ كردية تعتمد المواجهة المسلحة مع تركيا كحزب
العمال الكردستاني، التي كانت تركيا تنظر إليهم أنهم لصوص يفتقرون للثقافة والوعي،
فارضة عليهم إجراءاتٍ قاسية، وحظر أمني في أوقات كثيرة حتى عام 1965م، وعمليات قهر
وقمع بحقهم وخاصة في الانقلابات الثلاث، ما أدى لظهور تشكيلات مناهضة للحكم التركي
مليئةٍ بالكره والحقد الكردي، التي تتحين فرصةً مناسبة لتشكيل كيانٍ خاصٍ بهم،
كمجموعة (عبد الله أوجلان) الكردية، المعلنة عن حزب العمال الكردستاني من سوريا،
لينفذ عام 1984م أول عملية عسكرية ضد الجيش التركي في منطقة "أروه".
استغلت
كل من تركيا وسوريا الأكراد كورقة ضغط على بعضهما، في ظل توتر العلاقات بينهما ما
بين نهاية ثمانينات القرن الماضي وحتى توقيع اتفاق أضنة، ومن هذه التوترات:
أ) رؤية تركيا لسوريا استمرارية دعمها
وحمايتها لعناصر حزب العمال الكردستاني، فعقد رئيس وزرائها اتفاقا يصب في مصلحة
الطرفين، إلا أن تركيا اتهمت سوريا بعدم تنفيذها لبنود الاتفاق.
ب) نتيجة لذلك احتدم التوتر بين الطرفين،
فحشدت تركيا قواتها عام 1988م على الحدود السورية، فتدخلت مصر عاقدة اتفاقا
أمنيًّا يتضمن ترهيب سوريا لحزب العمال، والتعهد بكبح جماحه عبر إشراف مباشر من
الطرفين من خلال خط هاتفي بينهما.
ت) بلغ الاحتدام ذروته إثر قيام الرئيس
التركي (توغروت أوزال) عام 1990م بوقف مياه نهر الفرات عن سوريا والعراق لمدة شهر
بحجة ملء سد أتاتورك، والحقيقة كورقة ضغط لمنع استقبال الطرفين للمقاتلين الأكراد
على أراضيهم، حتى خفف حدته تشكيل الحكومة الكردية في كردستان العراق وتلاقي سوريا
وتركيا وإيران في طرف الرافض لهذه الفكرة.
انتهت
هذه الأزمات والتي كانت من أهم أسبابها حزب العمال الكردستاني، بعد عقد اتفاق أضنة
الأمني عام 1998م الذي تعهدت فيه سوريا بتجفيف نشاط حزب العمال على أراضيها أو
البقاع اللبناني، وعدم سماح تركيا لأي هجمة ضد سوريا من أراضيها، وحفظ الطرفين
لأمن بلديهما بشكلٍ متبادل، وشهدت هذه المرحلة انفراجه كبيرة في العلاقة بين هاتين
الدولتين.
4.
تطور
العلاقات التركية السورية من 1998 – 2011م:
1. العلاقات السياسية والدبلوماسية:
سادت أجواء التوافق بين الطرفين، فبنيت العلاقات الدبلوماسية، وفُتحت السفارات
للدولتين، وشارك الرئيس التركي (أحمد نجدت) في جنازة الرئيس السوري (حافظ الأسد)، وكانت
لزيارة نائب الرئيس السوري عام 2000م لأنقرة كأول زيارةٍ رسمية وتعهد الطرفان على
صياغة اتفاق إعلان مبادئ يساعد على توجيه الجهود السياسية والدبلوماسية مستقبلًا
الأثر الأكبر على ذلك.
كان لوصول حزب العدالة
والتنمية لسدة الحكم في تركيا التغير الأبرز في توطيد العلاقات بين الطرفين، لتكون
الزيارة التاريخية الأولى لبشار الأسد لتركيا عام 2004م، والتي قوبلت بفتح الحدود
وإعلان التعاون الاستراتيجي بين البلدين، فكسبت سوريا تركيا وسيطا محايدا في
صراعها مع إسرائيل في محاولة من تركيا لإنهاء الصراع بين الطرفين، وداعما قويا في
مواجهة إقامة الأكراد لدولتهم في كردستان -المهدد الأساسي للطرفين-.
تبع ذلك مواساة (حافظ
الأسد) للدولة التركية، في ظل أحداث سفينة مرمرة لكسر الحصار، وعقده مؤتمرا بجانب
الرئيس التركي، مؤكدا فيه على وقوف دولته مع تركيا، وهذا ما اعتبرته إسرائيل
انحيازا كان من الواجب أن يكون لها.
ت. العلاقات الاجتماعية:
كان لفتح الحدود بين البلدين الأثر الأكبر في توطيد العلاقات الاجتماعية بين
سكانها، وخاصة الزيارات المتبادلة للسوريين والأتراك على جانبي الحدود بمناسبة
الأعياد ورأس السنة عام 2000م، وقد عزز ذلك كلمة وجهها "أحمد داود
أوغلو" أشار فيها إلى مدى الترابط القوي بين المواطن التركي على الحدود
التركية البعيدة عن العاصمة والمواطن السوري على الحدود السورية البعيد عن عاصمته
كذلك.
إضافة إلى مبادرة تركيا
ببناء المشاريع المختلفة على طول الحدود مع سوريا وازدهار لواء الإسكندرونة بهذه
المشاريع التي تخدم مواطني الدولتين، إلى جانب الموروث الثقافي والتاريخ الذي لعب
دورًا مهما آنذاك.
ث. العلاقات الاقتصادية: شهدت
هذه العلاقات تطورا ملحوظًا إثر زيارة نائب رئيس الوزراء السوري للشئون الاقتصادية
التركية عام 1999م، فاتفقوا على تعزيز التعاون الاقتصادي في مجالات النقل الثلاثة،
ولحقه توقيع بروتوكول سياحيًا وثقافيا كذلك، ومذكرة تفاهم تحدد تطوير التعاون
التجاري والفني والتعليمي، إضافة إلى الزيارة التاريخية لبشار الأسد لتركيا والتي
وقع فيها عدة اتفاقات ومشاريع اقتصادية وعلى رأسها إقامة منطقة تجارية حرة بين
البلدين، لتكون هذه المرحلة من أرقى مراحل التعاون بين البلدين.
ج. العلاقات العسكريّة والأمنية: كان
لاتفاق أضنة الأمني الفضل في بزوغ بداية جديدة لهذه العلاقات بين البلدين، بعد أن
اقتربت من صراعٍ عسكري محتوم، وقد رسَّخ ذلك زيارة رئيس هيئة لأركان السوري آنذاك
لتركيا موقعا اتفاق التعاون الأمني بين البلدين؛ تضمّن تبادل المعلومات
والتكنولوجيا والتدريب، وإمكانية إجراء مناورات عسكريّة مشتركة، وكان للحرب
الأمريكية على العراق فضل في زيادة التقارب العسكري بين البلدين؛ لما يمنع ذلك
الأكراد من تأسيس كيانهم، المهدد المشترك لهما.
تشكلَّت فرق التعاون
لمكافحة الإرهاب بين البلدين، وهذا ما جسَّدته سوريا في تسليمها 22 مشتبهًا به في
تفجيرات إسطنبول، فقول من تركيا بردَّة فعلٍ حميدة، وهي إرسال عدد من أعضاء
البرمان التركي لشكر النظام السوري على تعاونه في مكافحة الإرهاب.
كما وأعلن البلدان عن
إجراء مناوراتٍ عسكرية تركية سورية، ما أعطى لتركيا مساحة التملص من مناوراتها مع
إسرائيل التي انتقدت هذا الأمر بشكلٍ علني.
الفصل الثالث: صيغ التَّدخل
التركي في سوريا 2011-2018م
1. مقدمة:
انتكست
العلاقات بين الطرفين، بعد أن ساد في البلدين أكثر الفترات رخاءً وازدهارًا، وعلى
إثر نشوب الثورات في سوريا، فتركيا التي تتغنى بالديمقراطية طالبت الإدارة السورية
بالإصلاحات، ووقفت بجانب المعارضة "ممثل الشعب السوري"، فدخلت تركيا في
أحداثٍ واتفاقاتٍ ورهاناتٍ قد خرجت منها بخسارة فادحة، الأمر الذي أوصل النزاع إلى
التدخل العسكري عام 2016م، تحت مظلة القضاء على أوكار داعش وحزب العمال
الكردستاني، فشنَّت عمليات واسعة في شمال سوريا لم يسبق لها مثيل.
استعرض
الباحث في هذا الفصل ثلاثة مباحث، أما الأول فتناول أهداف ودوافع التدخل التركي في
سوريا، والثاني تطرق إلى مظاهر وأنماط التدخل التركي في سوريا، وأما الثالث فقد
ركَّز على مخاطر هذا التدخل التركي على الأمن القومي السوري.
لطالما
شكّلت الأحداث الدولية والإنسانية محطاتٍ حاسمة في تأريخ مراحل تطور العلاقات
الدولية، كما في الحربين العالميتين، ومن المبادئ التي تأثرت بذلك: مبدأ عدم
التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والذي نص عليه ميثاق الأمم المتحدة فيما بعد.
منذ ذلك
الوقت بدأ العالم يتغير نتيجة السلوكيات التي تتبعها الدول؛ التي استغلت الفجوات
الكثيرة في مواثيق الأمم المتحدة لتبرير سلوكها الدولي وتدخلها في الشؤون الداخلية
للدول الأخرى، لتتحول من حربٍ ظالمةٍ إلى عادلةٍ، كتركيا التي استغلت ما عصف
بسوريا من ثورات ونزاعاتٍ داخلية في إرسال حملاتها العسكرية بحجة انتهاك سوريا
الجسيم لحقوق الإنسان الأساسية وإيقافها عند حدها، في ظل قبول هذا الفعل ورفضه من
قبل الموقف الدولي وفق قوانين صحيحة يتمسك بها الطرفين -المؤيِّد والرافض-.
وكان أهم
مبرر تمسكت به تركيا بنود اتفاق أضنة التي منحت بموجبها الجيش التركي حق التدخل
داخل الأراضي السورية إذا ما رأي أن هناك خطرًا يستدعي ذلك.
2. أهداف ودوافع التدخل التركي في سوريا:
قسَّم
الباحث هذا الأهداف والدوافع وفق السياسة الجغرافية "المحلية والدولية":
أ. أهداف ودوافع محلية:
1) إزالة المخاطر التي سبَّبها ظهور تنظيم
"داعش":
توسَّعت رقعة "داعش" في
سوريا منذ عام 2014م؛ بفضل الأحداث الجارية هناك، تحت مرأى تركيا التي التزمت
الصمت الحذر سوى بعض التصريحات العامة، إلى أن كانت كلمة الرئيس "رجب طيب
أردوغان" خلال حضوره أعمال الدورة (96) للجمعية العامة للأمم المتحدة، التي
نوّه فيها إلى استمرارية بلاده في جمع المعلومات التي تؤهلها لضرب أركان التنظيم
المتواجد على حدودها، لاتخاذ الإجراءات المناسبة لمواجهة الإرهاب.
اكتسب التدخل التركي شرعيته في
محاربة داعش داخل سوريا عبر استغلاله للاستياء الشعبي إثر التفجيرات التي نفذتها
داعش على حدودها، إلى جانب تخوِّفها من الوحدات الكردية التي تعدها امتدادًا لحزب
العمال من إنشائه ممرًا للإرهاب على حدودها الجنوبية، مستغلة حالة الفراغ الأمني
الموجود في المنطقة.
وفي ذات الوقت كانت تركيا قد
تمكَّنت من احتواء الجيش السوري الحر -التابع للمعارضة السورية- تحت غطائها
واستغلاله بدعم مباشر في تحرير مدينة جرابلس التي تسيطر عليها داعش بشكلٍ كامل.
على إثر هجمات داعش المتزايدة على
منطقة كوباني شمال سوريا، ودرجة التوافق الواضحة بين الولايات المتحدة ووحدات
حماية الشعب الكردي، أعادت تركيا تقييم اتفاقاتها مع واشنطن، فحازت على دعم دولي
بضرب مواقع التنظيم في سوريا جوًّا، منعًا لتمدد الإرهاب، ودرءًا للتهم الموجهة
لها في قضية شراء النفط من السوق السوداء.
2) القضاء على طموحات "حزب العمال
الكردستاني": حملت القضية
الكردية الحساسية الأكبر بين التدبير التركي، حيث استغلت الفوضى العارمة وعدم تمكن
سوريا من تأمين حدودها في تسل مقاتلين أكراد إلى داخل البلدين، ما زاد من مخاوف
تركيا واقتراب الأكراد خطوة نحو تكوين دولتهم المستقلة بهم.
ونتيجة للأزمة السورية هذه أعلن
حزب العمال وقف الهدنة مع تركيا من جانب واحد والتي استمرت لستة أشهر، فاستغلت
سوريا ذلك وأعادت نشاطها مع الأكراد، وسط تحذير المسؤولين الأتراك من استخدام
سوريا لحزب العمال ضدها.
وكانت هذه ورقة رابحة للضغط بها
على تركيا، التي وقعت في تهديد أمني خطير باتساع المساحة الحدودية بينها وسوريا،
بعد قيام سوريا بسحب جيشها من الحدود وإبقاء مهمة تأمينها على حزب الاتحاد
الديمقراطي الحليف لحزب العمال الذي تصاعد نشاطه بعد اعتراضه على سماح تركيا
للاجئين السوريين بعبور الحدود والاستقرار في الأراضي الكردية، وهذا ما أكد تخوف
تركيا من تمدد حزب العمال واحتلاله للعديد من المساحات السورية الكبيرة وصولا إلى
تقسيم سوريا، وانعكاسات ذلك على أمرين:
أ)
مطالبة الأكراد السوريين انفصالهم عن سوريا، فيطالب الأكراد
التركيين ذلك أيضًا، والذي يهدد جوانبها الأمنية.
ب)
مطالبة حزب العمال إقامة كيان مستقل له، ولمنعه تقوم تركيا
بمحاربتهم.
لم يعد المشروع الكردي واضح المعالم
كما السابق، فلوقوعه في مفترق طرق، بين الحدود الأكثر سخونة والأشد تنافسا، فإن
السيناريوهات الخاصة بها معلقة أمام مواقف دولٍ كبرى، أمثال تركيا والولايات
المتحدة وروسيا.
فتركيا الرافضة لذلك جهزت نفسها
ووضعت في حسبانها إمكانية التدخل لحسم هذا الأمر عسكريًا مهما كلف الأمر.
3) السيطرة على الجيش في تركيا:
لقد انعكس الانقلاب الذي حدث في
تركيا على وضوح تدخلها العسكري في سوريا وإحجامها عليه؛ إذ كان قائدا الجيش الثاني
والثالث على رأس المحاولة الانقلابية الفاشلة ضد الحكم التركي، واللذان يحرسان
الحدود الجنوبية والشرقية مع سوريا والعراق وإيران -محاور التهديد-، في وقتٍ كانت
تبرز معارضة الجيش لقرار الحكومة بالتدخل العسكري، لمحدودية قدرتها بعد التدخل
الروسي والإيراني هناك.
استغل أردوغان محاولة الانقلاب في
تنفيذ عملية تغيير شاملة في المؤسسة العسكرية، بعد أن كساها نوع من الضعف، ليصبح
بناء الجيش أهم أولويات الإصلاح، إضافة إلى تمكن الحكومة من إحكام سيطرتها على
مؤسسات الدولة إعلاميا وأمنيا وعسكريا، وبذلك انتهت أصوات المعارضة في الجيش، وبدأ
عملياته في سوريا ضد الوحدات الكردية وكذلك سيطرته على منطقة عفرين.
4) تدحرج الحرب بصورة غير مسبوقة في سوريا:
حاولت تركيا الوقوف على حيادية في
هذا الأمر، ولكن ولأنها تتغنى بشعار "الدولة الديمقراطية"، وحينما وقعت
بين خيارين "الحكم السوري أو الشعب"، لم تتمكن من التريث أكثر فأقدمت
على التدخل قبل فوات عجلة الحراك الذي كان متسارع، وفق مراحل عدة:
أ) مرحلة النصح: ألحت تركيا بوفودها وأسلوبها الشفاف على سوريا بضرورة تنفيذ
الإصلاحات الديمقراطية وتلبية مطالب الشعب، فلم تفلح.
ب) مرحلة تقييم الوضع: وجه الرئيس أردوغان خطابات عبر الإعلام ووسائل الاتصال مع
الرئيس بشار بضرورة التحلي بالصبر وإحداث إصلاحات عامة في مؤسسات الدولة؛ خوفا من
الدول التي تتربص بسوريا وقتذاك، ولم تفلح كذلك.
ت) مرحلة التحوُّل والضغط: توسعت دائرة الضغوطات نحو الرئيس بشار، فكان الأمر مقتصرا على
تركيا أما الآن فقد تدخلت أوروبا وأمريكا في ذلك، وتمّت مناقشة الملف السوري في
مجلس حقوق الانسان، بمعارضة شديدة على سياسة قتل المدنيين وارتكاب جرائم الحرب في
سوريا.
ث) مرحلة التوجه نحو الحل الواقعي دون
المطالبة بإسقاط النظام: رضخت
تركيا أمام الإبقاء على حالة دمشق كما هي، نتيجة لأسباب عدة، منها: انصياعها
للقرارات الخارجية بتجنب توقع سقوط نظام الأسد، زعزعة الجبهة الداخلية لها، تنظيم
داعش المتغول، حفاظها على علاقاتها مع روسيا".
لم تكن تركيا تتخيل أن يصمد النظام
السوري لهذه المرحلة، وأن التفكير في إحداث صدام عسكري معها سيودي إلى خسارةٍ
فادحة في الطرفين لا جدوى منها، لذا لم يكن أمام تركيا إلا مراوغتها في تهديدها
للنظام السوري في حال فكر في العبث بأمنها.
ب. أهداف ودوافع إقليمية ودولية:
1)
ضعف
الموقف الأمريكي في سوريا: بعد
التقاعس المذموم للإدارة الأمريكية في ردها على انقلاب تركيا، وعدم موافقتها على
تسليم "عبد الله كولن" لها، وبعد زيادة قوة الجيش التركي، وتمكنها من
فتح أبواب جديدة مع روسيا وإيران، خسرت أمريكا تركيا بامتياز، وسهَّلت لتركيا
إمكانية الاستغناء عنها والتدخل الواضح في سوريا.
ظهر جليَّا مدى ضعف الموقف
الأمريكي في سوريا، ويعود ذلك لأسباب عدة: "النزاعات الداخلية في إدارة ترامب
المتهم بالتعاون مع روسيا في الانتخابات الفائز بها – عودة العافية العسكرية للدب
الروسي – خسارتها لتركيا نتيجة دعمها للأكراد"
2)
التقارب
التركي - الروسي: حدث ذلك بعد
حادثة إسقاط الطائرة الروسية من قبل تركيا، واتهام روسيا لتركيا بالتعاون مع داعش
في تهريب النفط، فقوبل ذلك بأسف من الرئيس أردوغان وزيارة للرئيس الروسي، متفاهمين
على بقاء النظام السوري وحصر العملية السلمية في سوريا بين روسيا وتركيا، واستبعاد
الولايات المتحدة وأوروبا الضعيفة
3)
تعزيز
موقع تركيا كقوة إقليمية: تبنت
تركيا لسياسة تجاوز المشكلات وتوطيد العلاقات وذلك بعد اعتبارها أبرز الفاعلين
الإقليميين في منطقة الشرق الأوسط، إلا أنها ضعفت أمام التعامل مع الأزمة السورية
التي اضطرت فيها لاستخدام القوة العسكرية، فعملت على علاج ذلك عبر النجاحات التي
حققتها أمام تأمين الاستقرار السياسي والاقتصادي لها، لتكون النموذج الذي يجب أن
يحتذى به من وجهة نظر الإدارة الأمريكية.
كما واجتهدت أن تكون وسيطًا في
معالجة المشكلات العربية الداخلية، ومحاولة الحد من امتداداتها الإقليمية وهو ما
يؤهلها لأن تلعب الدور الفاعل إقليميا والمؤثر في المنطقة.
3. مظاهر وأنماط التدخل التركي في سوريا:
أ. تصريحات المسئولين الأتراك بشأن الأزمة
السورية: تم الحديث عن هذه
التصريحات بشيء مفصل ومرتب خلال سردنا لمراحل تدحرج الحرب في الصفحتين السابقتين.
ب. الدعم التركي لقوى المعارضة السورية
واستضافتهم في تركيا: وصلت
إليه تركيا بعد أن يئست من عدم استجابة النظام السوري لمطالبها، فاحتضنت المعارضة
السورية المعتدلة، وأمدتهم بالسلاح، ودربت عناصر منهم في إحدى قواعدها على الحدود
مع سوريا، إضافة إلى مساندهم بسلاح الجو بعد أخذ إذن الموافقة من واشنطن.
إضافةً إلى ذلك أعلنت تركيا فتح
حدودها أمام النازحين السوريين، وجهّزت خيامًا تأويهم مع توفيرٍ للمستلزمات
اللوجستية، ليلي ذلك إعلان تركيا اعترافها بالتحالف الوطني لقوى الثورة السورية
على أنها الممثل الوحيد والشرعي للشغب السوري، وأسست له مجلسًا ووفرت له أماكن
لعقد مؤتمراته أكانت في إسطنبول أو أنطاكيا.
وقد اتسمت هذه المرحلة بخطواتٍ
اتخذتها تركيا ضد سوريا، تمثَّلت في:
1)
استضافة اللاجئين السوريين: عبر بناء المخيمات الكبيرة لهم
على الحدود بين البلدين.
2)
استضافة مؤتمرات المعارضة السورية دون اعتراف منها بذلك
3)
مصادرة الأسلحة القادمة لدعم النظام السوري عبر الإمساك بها
عبر الحدود ومصادرتها.
4)
فرض عقوبات على النظام السوري وتجميد حساباته البنكية.
ت.
إقناع
المجتمع الدولي بتشديد مواقفه تجاه سوريا: بدأت تركيا بإجراء تنسيقٍ أمني مع عدد من دول الإقليم، لتضييق
الخناق على النظام السوري ووقف التعامل معه، وقد لوحظ محاولة إقناع تركيا لحلف
شمال الأطلس بالدخول في حرب ضد النظام إلا أنها قوبلت بخيبة الأمل.
ث.
التدخل
العسكري في سوريا: كان المرحلة
الأخيرة الاضطرارية، بغرض الحفاظ على أمن الحدود بين البلدين نتيجة تهديدات
الأكراد، وكذلك داعش التي تتغلغل في سوريا.
4. مخاطر التدخل التركي في سوريا على الأمن
القومي السوري:
برز ذلك
في تبني تركيا للمعارضة السورية من حيث التفكير والدعم العسكري، وإقناعها لدول
الإقليم بقطع العلاقات مع سوريا، وإيواء الهاربين من الجيش والنازحين من الشعب،
وتسهيل إدخال المسلحين الغرباء عبر الحدود مع سوريا لمحاربة النظام.
إضافةً
لذلك عملية عفرين العسكرية التي شنتها القوات التركية ضد القوات الكردية هناك،
وهذا ما اعتبرته سوريا ما يشكل خطرًا على الأمن القومي السوري.
الفصل الرابع: سيناريوهات
مستقبلية للعلاقات التركية – السورية
تناول هذا الفصل ثلاثة مباحث،
فالأول تحدث عن سيناريو استمرار العمليات العسكرية التركية في سوريا، والثاني تطرق
إلى سيناريو توقف العمليات العسكرية التركية في سوريا بزوال التهديد، والثالث
ركَّز على سيناريو عودة العلاقات الطبيعية بين البلدين.
1. المقدمة:
يمكن تحديد اتجاهات مستقل العلاقة
بين البلدين في عدة سيناريوهات، اقتصر عليها الباحث في كتابته، منوها إلى أن ذلك
لا يعني أن الاحتمالات مقتصرة عليهم فقط، بل من المتوقع أن يتفرع منها من واحدة
منها مشاهد أخرى لم تكن في الحسبان.
وهذه السيناريوهات هي:
أ. سيناريو استمرار العمليات العسكرية
التركية في سوريا:
يمكن للدولة التركية أن تصبر، ولكن
لا يعني ذلك أن صبرها سيكون للأبد، فمع ازدياد جبهات الخطر المحدق على بلادها،
النظام السوري -الوحدات الكردية – داعش، وجب على تركيا أن تقف سدا منيعا ضد ذلك
عبر عملياتها العسكرية التي لوحت بها مرات عدة منذ ظهور التهديدات، فقد شنت
عملياتها العسكرية على الحدود مع سوريا وفي قلبها كذلك، محررة مدن وقرى وأرياف من
أيدي داعش أو الوحدات الكردية.
ويتطلب ذلك بكل وضوح بقاء بعض
القوات التركية في الأماكن المحررة؛ منعا من عودة المسلحين إليها واحتلالها من
جديد، وهذا بدوره يفرض على قيادة الجيش التركي استمرار عملياتها العسكرية هناك ما
بين كرٍّ وفرٍّ ضد الوحدات والميليشيات والمرتزقة من عناصر داعش والوحدات الكردية
التابعة لحزب العمال الكردستاني.
علمًا بأن هذا الأمر كان قد ووجه
بانتقاد ورفض لاذع ما قبل أحداث الانقلاب، ولكن وبعد عمليات التطهير التي قامت بها
الحكومة التركية تغيرت هذه الأفكار واختلفت المعتقدات وأصبح هنالك قبول بالتدخل
العسكري التركي في سوريا؛ للقضاء على الإرهاب بكل صوره، وهذا هو السيناريو الأرجح
وفق رأي الباحث.
ب. سيناريو توقف العمليات العسكرية التركية
في سوريا بزوال التهديد:
عزم المسؤولون الأتراك دومًا في
خطاباتهم وأفعالهم على استمرار عمليات جيشهم العسكرية حتى تحرير هذه المناطق من
العناصر الكردية، وبذلك تكون تركيا قد بلغت مبتغاها وبالتأكيد ستوقف عملياتها
العسكرية بانتصارها المأمول.
ولكن الواقع والمعطيات الجارية على
الأرض لا تكفي لترجيح هذا السيناريو، فقوة الوحدات الكردية في ازدياد ودعمها من
واشنطن مستمر بل وفي تزايدٍ كذلك، لذا كانت لتركيا إجراءات واضحة على الأرض، من
حيث تجهيزاتها العسكرية لحملةٍ محتملةٍ قادمة، وسط رأي عامٍ محلي ودولي مجهز لبدء
التنفيذ.
يمكن القول بأنه من الممكن أن ينجح
هذا السيناريو في حال نجاح إقامة المنطقة الآمنة بين تركيا والوحدات الكردية، إلا
أن هذا مرهون بثبات الموقف التركي من إقامتها، ويتوقف هذا على ردة فعل الولايات
المتحدة وروسيا إذا ما قبلت ترجيح مصالحها مع تركيا على مصالحها مع الوحدات
الكردية.
ج.
سيناريو
عودة العلاقات الطبيعية بين البلدين:
ظهرت نداءات وتصريحات المسئولين
السوريين والأتراك بضرورة عودة العلاقات بين البلدين، بعد رصد الواقع السوري،
وصعوبة سقوط النظام السوري في الوقت الحالي، فمن ناحية تركيا، فقد صرحت العديد من
الأوساط الحاكمة والمثقفين وأعضاء من حزب العدالة والتنمية بذلك، وخاصة مع محاولة
عدد من الدول دفع تركيا للسقوط في هذه الأزمة.
وقد عزز ذلك فكرة المنطقة الآمنة
التي تعود ثمارها على البلدين في آن واحد، خاصة وأنها تقلل من التهديد الكردي
المشترك لكلا البلدين.
ح. التوصيات:
1)
يوصي الباحث أن يكون الإرث التاريخي والحضاري والثقافي
والعلاقات التي امتدت بين البلدين سنوات طويلة هي الدافع لكل من تركيا وسوريا
لعودة العلاقات بينهما من جديد، خاصة في ظل التوتر الذي تشهده هذه العلاقات.
2)
يجب على تركيا أن تراجع حساباتها قبل الاندفاع الذي قامت به،
وذلك من خلال التعامل مع الخطر القادم من سوريا بحذر، وفي نفس الوقت لا تتهاون مع
هذه الأخطار.
3)
من المهم جداً أن تقوم تركيا بوقف العنف الدائر في سوريا منذ
سنوات عديدة، ولكن دون أن تستغله في سبيل تحقيق أجندات ورؤى تتطلع إليها، لكن
المطلوب منها أن تقوم بدور نشط وفاعل دون العمل على استخدامه كورقة ضغط ثم تماطل
في إنهائه.
4)
يتوجّب على تركيا تطوير علاقاتها مع الدول العربية اقتصادياً
وثقافيا وفي شتى المجالات، ما يعمل على تكوين روابط قوية يمكنها أن تقف في وجه كل
خلاف.
5)
يمكن أن تتوسط بعض الأطراف العربية أو الدولية بين البلدين
وتحوّل عوامل الاختلاف بينهما إلى عوامل اتفاق، وإعادة العلاقات إلى طبيعتها من
جديد.
6)
من الأهمية بمكان أن تتدخل الدول العربية بصورة أكبر لرأب
الصدع التركي السوري من ناحية، ووقف التهديدات التي تشكل خطراً على الأمن القومي
التركي من خلال إيجاد حلول للمشكلة الكردية من ناحية أخرى.
7)
يجب على تركيا أن تعمل على تفعيل وتعميق علاقاتها في المنطقة
العربية اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا، وهو ما سيعطيها قبولًا أكبر لدى الشعوب
العربية، والتي تنظر إلى تركيا على أنها قطب اقتصادي كبير.
8)
تستطيع تركيا وسوريا ان تحوّلا عوامل الخلاف إلى نقاط التقاء
من خلال التنسيق فيما بينهما لمواجهة خطر حزب العمال الكردستاني وكذلك تنظيم
الدولة، وبالتالي يمكن للعلاقات السابقة أن تعود من جديد.
9)
إن السياسة التي اتبعتها تركيا بداية الألفية الثالثة، وهي سياسة
"تصفير المشكلات"، يجب أن تظل هي السياسة القائمة، والعمل قدر الإمكان
على عدم تحويلها إلى النقيض، لأن هذه السياسة هي التي أكسبت تركيا تعاطف الشعوب
العربية قبل حكامها.
الانتقادات:
1. يوجد مشكلة في أسئلة الدراسة، فلا تتضمن
الأسئلة الفرعية السؤال الرئيسي.
2. يوجد مشكلة في العنوان ومضمون الرسالة.
3. نلاحظ استخدام الكاتب عبارة، "ستعمل
الدراسة على إثبات أن تركيا تهتم بحماية حدودها حتى لو اضطرها ذلك
للجوء إلى الحل العسكري". (الأصل ألا يوضع فرضية في مثل هذه الدراسات).
4. في تلخيص الدراسات السابقة نجد تعارض لدى
الباحث في بند 1 وبند 5. ص 13.
5. يوجد مشكلة في التوازن بين الفصول، في حين
الفصل الأول 13 صفحة، فالفصل الثاني 30 صفحة والثالث 38، بينما الرابع 21صفحة.
6. التحدث بالصيغ الزمانية المناسبة.
7. يفضل دائما ألا تكون العناوين أسفل بعض
دون وجود فقرات توضيحية.
8. التوصيات بعيدة عن سؤال الدراسة الرئيسي.
9. نلاحظ أن المراجع عديدة وكافية للرسالة
لكنها في معظمها مختصة في العلاقات الدولية وليس الأمن القومي.
تعليقات
إرسال تعليق