القائمة الرئيسية

الصفحات

الصراع العربي "الاسرائيلي" على المياه...علي عرفات

 




إن الصراع الدائم منذ بدء الخليقة يدور حول المياه وكيفية تأمينها والاحتفاظ بها والدفاع عنها كعنصر أساسي وحيوي من أجل البقاء. كانت المياه أهم مسببات الحروب والغزوات في تاريخ العرب والشعوب الأخرى، كما أن معظم الانتصارات كانت لمن يملك الماء أو يسيطر على مصادره أو يصل إليه أولاً.

قامت كل الحضارات وازدهرت حول منابع المياه وضفاف الأنهر والأودية، كحضارة ما بين النهرين إلى حضارة وادي النيل، ويحلو للمصريين أن يرددوا دائماً أن مصر هبة النيل، كما يحلو للسوريين والعراقيين أن يتغنوا بعطاء الفرات ودجلة.

تعتبر قضية المياه إحدى قضايا الأمن "الإسرائيلي"، وبعد حرب عام 1967م ظهر في الفكر الاستراتيجي "الإسرائيلي" مفهوم "الحدود الآمنة" الذي ترتبط أبعاده بالدفاع وتوفير الموارد المائية للدولة.

إن شريان الحياة هو الماء. والدلالة على ذلك قوله تعالى في الآية الكريمة “وجلعنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون”[1]

وقال تعالى “أفرأيتم الماء الذي تشربون، أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون، لو نشاء جعلناه أجاجاً فلولا تشكرون”[2]

تتفاوت نسبة استعمال المياه من بلد إلى آخر وذلك حسب عدد السكان، إلا أن الزراعة تشكل النشاط الأول الذي يستنزف الإمدادات من المياه. فمن مجموع المياه المستهلكة على مستوى العالم يعد متوسط المسحوبات لأغراض الزراعة نحو 69% ولأغراض الصناعة 23%، وللأغراض المنزلية 8%

 

ولما كان الماء مورداً شحيحاً في "إسرائيل"، لذا ركز الصهاينة على الاستيلاء على منابع المياه من أجل أغراض الاستيطان للزراعة وغير ذلك، ومن المعروف أن الضفة الغربية وقطاع غزة تغطي مساحة 5719كم2 من الأرض بالإضافة إلى 220 كم2 من المياه، أما "إسرائيل" فتغطي مساحة من الأرض تقدر ب20,330كم2 بالإضافة إلى 440 كم2 من المياه

ويعتبر التعرض لموارد "إسرائيل" المائية سبباً كافياً لنشوب الصراع المسلح كما أن قضية الماء دخلت في إطار قضايا التسوية النهائية الإقليمية.

 

 

 

المياه في الفكر الاستراتيجي الصهيوني

 

      احتلت المياه موقعاً هاماً في الفكر الاستراتيجي الصهيوني منذ بدء التفكير بإنشاء دولة  ، وقد استند هذا الفكر إلى ادعاءات دينية وتاريخية باطلة ناتجة عن اعتقادها بما جاء في التوراة: "كل موقع تدوسه بطون أقدامكم لكم أعطيته... كما كلمت موسى من البركة ولبنان.. هذا إلى النهر الكبير نهر الفرات... وإلى البحر الكبير نحو المغيب يكون تخمكم".[3]

ولاعتقادها أن الحدود المثالية لدولة "إسرائيل" من النيل إلى الفرات كما ورد في التوراة أيضاً  وبناءً على هذه الادعاءات قامت الحركة الصهيونية بإيفاد الخبراء واللجان العلمية خلال القرن التاسع عشر لدراسة الموارد المائية في فلسطين، ومدى الاستفادة من مياه نهر الأردن لتوليد الطاقة الكهربائية بسبب انخفاض البحر الميت عن البحر المتوسط، وقد قام بهذه الدراسات خبراء فرنسيون وأمريكيون عام 1850،  ومن بينهم هريس أحد مؤسسي الحركة الصهيونية أواخر القرن التاسع عشر، والجمعية العلمية البريطانية عام 1875، التي أوصت بإمكانية إسكان خمسة ملايين مهاجر يهودي في فلسطين، إلا أن أهمية المياه في الفكر الصهيوني أخذت تتبلور بعد انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897، حيث صرح ثيودور هرتزل بقوله في أعقاب المؤتمر: "إننا وضعنا في هذا المؤتمر أسس الدولة اليهودية بحدودها الشمالية التي تمتد إلى نهر الليطاني".

 

وفي عام 1903،  حاولت الدوائر الصهيونية الاتصال بالحكومة البريطانية لإرسال البعثات الفنية لإجراء الدراسات حول إمكانية سحب جزء من مياه نهر النيل إلى سيناء، ومن ثم جر هذه المياه إلى النقب لتطويره وبناء المستعمرات اليهودية فيه. [4]

 

وفي عام 1919،  كان من أهم القرارات التي اتخذها المؤتمر الصهيوني العالمي الذي عقد بمدينة بازل بسويسرا: "يجب تذكير عصبة الأمم أنه لا بد من إدخال المياه الضرورية للري والقوة الكهربائية ضمن الحدود وتشمل نهر الليطاني وثلوج جبل الشيخ".

وقد مارست الدوائر الصهيونية ضغوطاً كبيرة على المجتمعين في مؤتمر الصلح في باريس عام 1919،  لجعل حدود فلسطين تضم منابع نهر الأردن ونهر الليطاني وسهل حوران في سوريا إلا أن هذه المطالب قوبلت بالرفض خصوصاً من الفرنسيين الذين وضعوا سوريا ولبنان تحت انتدابهم، وفي عام 1941، قال بن غوريون:  "علينا أن نتذكر بأنه لابد أن تكون مياه نهر الليطاني ضمن حدود الدولة اليهودية لضمان قدرتها على البقاء". [5]

 

وهكذا يتضح أن المياه وقفت على قمة المخططات لإنشاء الدولة اليهودية، لأن قضية المياه ترتبط بقضية الوجود الصهيوني نفسه،  كما يتضح أن الاهتمام الصهيوني انصب بشكل كبير على المناطق المتاخمة للحدود الشمالية لفلسطين،  لأن معظم مصادر المياه التي تغذي فلسطين تنبع من كل من سوريا ولبنان، حيث يقع نهر الليطاني في الأراضي اللبنانية والذي تذهب مياهه هدراً في البحر على حد تعبير بيجن عندما غزت "إسرائيل" لبنان  لذلك بذلت الحركة الصهيونية جهوداً كبيرة لتوسيع الحدود الشمالية للاستحواذ على منابع المياه، وقد أكد ذلك العديد من الزعماء الصهيونيين أمثال حاييم وايزمان في رسالته بتاريخ 30/10/1920 إلى لويد جورج رئيس الوزراء البريطاني، حيث أشار إلى أن مياه نهر الأردن واليرموك لا تفي بحاجة الدولة اليهودية، ونهر الليطاني يمكنه أن يسد هذا العجز ويؤمن المياه لري الجليل،  كما اقترح هربرت صموئيل أول مندوب سامي بريطاني على فلسطين وهو يهودي جعل الحدود الشمالية لفلسطين تتوغل داخل لبنان ليمتد من الضفة الشمالية لنهر الليطاني حتى أقصى ينابيع نهر الأردن قرب راشيا،  ولتحقيق أهدافها فقد عملت الدوائر الصهيونية على إرسال العديد من البعثات خلال فترة الانتداب البريطاني إلى فلسطين لإجراء عمليات مسح للمصادر المائية واقتراح المشاريع المائية لتشجيع الاستيطان اليهودي فوضعت المشروع تلو المشروع ومنها مشروع روتنبرغ عام 1927،  ومشروع أيونيدس عام 1938،  ومشروع لاودرملك عام 1944،  ومشروع هيز عام 1948 .[6]

 

 

"إسرائيل" والمياه الفلسطينية

     ظلت المياه على رأس أولويات الدولة اليهودية حتى بعد قيامها عام 1948، إذ تم إعداد الخطط لاستثمار كل ما يقع في أيدي "الإسرائيليين" من موارد مائية تمهيداً لاستقبال أعداد كبيرة من المهاجرين اليهود إليها، وقد وضعت السياسة "الإسرائيلية" نصب عينيها عدم إهدار أي نقطة ماء يمكن الحصول عليها في فلسطين، ولذلك كان قرار تأميم المياه في شهر أغسطس عام 1949 الذي أصدرته حكومة "إسرائيل"، ويقضي باعتبار المياه ملكاً عاماً، للدولة فقط حق التصرف فيها، ولا يحق للأفراد ذلك، وأسندت مهمة الإشراف على هذا القرار لوزير الزراعة، يساعده مفوض للمياه وظيفته حصر صلاحية الترخيص للأفراد بالحصول على كمية من المياه من مصادرها المختلفة.

 

إن مثل هذه الإجراءات إنما هي امتداد لعمليات التطبيق العملي للفكر الصهيوني فيما يتعلق بقضية المياه، وقد ظهر ذلك جلياً في المذكرات الشخصية لموسي شاريت أول وزير خارجية "لإسرائيل" في مباحثاته مع إريك جونستون المبعوث الأمريكي من قبل الرئيس أيزنهاور لترتيب مسألة المياه في منطقة غور الأردن، حيث اهتم بضمان سيطرة "إسرائيل" على جميع المنابع المائية ومصادرها بما في ذلك مياه نهر الليطاني، ويجب أن تتكيف الحدود الجغرافية وفق هذا المفهوم.[7]

 

وفي عام 1955،  قال ديفيد بن غوريون رئيس وزراء إسرائيل في ذلك الوقت: "إن اليهود يخوضون مع العرب معركة المياه وعلى نتائج هذه المعركة يتوقف مصير "إسرائيل" وإذا لم ننجح في هذه المعركة فإننا لن نكون في فلسطين.

 

      وبعد احتلال "إسرائيل" لبقية الأراضي الفلسطينية في أعقاب حرب 1967،  سارعت قواتها إلى السيطرة الكاملة على الموارد المائية الفلسطينية، حيث أصدرت عدداً من الأوامر العسكرية، كان أولها قبل انتهاء العمليات العسكرية يوم 7/6/1967،  يتم بمقتضاها نقل جميع الصلاحيات بشأن المياه في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى الحاكم العسكري "الإسرائيلي"، ثم تلا هذا الأمر سلسلة من الأوامر العسكرية منها:-

  الأمر رقم 92 بتاريخ 15/8/1967، وينص على منح كامل الصلاحية في السيطرة على كافة المسائل المتعلقة بالمياه لضابط المياه المعين من قبل المحاكم "الإسرائيليةالأمر رقم 158 بتاريخ 19/8/1967،  وينص على أن يمنع منعاً باتاً إقامة أي إنشاءات مائية جديدة بدون ترخيص، ولضابط المياه حق رفض أي ترخيص دون إعطاء الأسباب، الأمر رقم 291 الصادر عام 1967،  وينص على أن جميع مصادر المياه في الأراضي الفلسطينية أصبحت ملكاً للدولة وفقاً للقانون "الإسرائيلي" عام 1959، الأمر العسكري رقم 948 الذي ينص على إلزام كل مواطن في قطاع غزة بالحصول على موافقة الحاكم العسكري الإسرائيلي إذا أراد تنفيذ أي مشروع يتعلق بالمياه،  بالإضافة إلى الأمر رقم 457 عام 72، 715 عام 77، 1336 عام 91 .[8]

 

وقد مكنت الأوامر العسكرية الإسرائيلية السابقة القوات "الإسرائيلية" خلال العقود الثلاثة الماضية من إحكام سيطرتها على موارد فلسطين المائية حارمة الشعب الفلسطيني من حقوقه المائية من خلال العديد من الإجراءات

مثل فرض القيود على استغلال الفلسطينيين لحقوقهم المائية في الضفة وغزة وتقييد حفر الآبار الزراعية في الضفة الغربية وقطاع غزة وحفر "إسرائيل" العديد من الآبار داخل المستوطنات "الإسرائيلية" في الضفة وغزة، حفر سلسلة من الآبار على طول خط الهدنة مع قطاع غزة لاستنفاذ المياه العذبة والتقليل من المياه المنسابة إلى الخزان الجوفي الساحلي في قطاع غزة.

وقد أدت هذه السياسة إلى تزايد نسبة الأملاح في معظم آبار المياه الجوفية سواء كانت في الضفة الغربية أو قطاع غزة، الأمر الذي أدى إلى انخفاض الإنتاج الزراعي.

أطماع إسرائيل المائية خارج الحدود

       لقد باتت الأهمية الكبرى للمياه واضحة في الإستراتيجية الصهيونية التي انبثقت منها سياسة تعمل ضمن مخطط الكيان الصهيوني الذي يعمل ضمن إطار عقائدي يعتقد بموجبه ضرورة العمل على تحقيق حلم "إسرائيل" الكبرى التي تمتد من النيل إلى الفرات، ومن هنا بدأت المياه تظهر جنباً إلى جنب مع الحدود منذ بدء التفكير في إنشاء الكيان الصهيوني، ومن هنا انصبت الجهود الصهيونية في محاولة توسيع حدود فلسطين الشمالية حتى تضمن السيطرة على نهر الليطاني ومنابع نهر الأردن مثل الحاصباني والدان وبانياس، ولم تتوقف هذه الأطماع حتى بعد إقامة دولة "إسرائيل"، فعلى الرغم من سيطرتها على الموارد المائية الفلسطينية، إلا أنها ما زالت تتطلع إلى المياه العربية القريبة منها والبعيدة، وقد انصبت جهودها لتحقيق أطماعها في اتجاهين رئيسين تمثل الأول في محاولاتها الدائبة للسيطرة على الموارد المائية القريبة من الحدود الفلسطينية كنهر الأردن ومنابعه ونهر الليطاني في لبنان ومياه نهر النيل في مصر. أما الثاني فعبر عنه التنسيق المائي الإقليمي مع كل من تركيا ودول حوض النيل مثل أثيوبيا في أفريقيا، وذلك في محاولة لسحب كميات كبيرة من المياه إلى "إسرائيل" خصوصاً من تركيا، وتهديد بعض الدول العربية في المنطقة من خلال التأثير على إمكانياتها المائية المتاحة من أجل الابتزاز السياسي، وعدم تصديها للمشروع الصهيوني في المنطقة وسوف نتناول هذين الاتجاهين.

 

 

الأطماع "الإسرائيلية" في المياه العربية

 

لم تقف الأطماع الصهيونية عند حدود المياه الفلسطينية بل تجاوزتها إلى الدول العربية المجاورة، فمنذ قيام هذا الكيان انصب اهتمامه على مياه نهر الأردن، فتوالت المشاريع لاستغلال مياهه، ومع بداية الخمسينات وظهور الأطماع العلنية "الإسرائيلية" في مياه نهر الأردن ظهرت المشاريع المختلفة حول توزيع مياهه، ومنها مشروع "جونسون"، ومشروع "كوتن" واللذان شملا أيضا مياه نهر الليطاني.

وتستفيد إسرائيل من طاقة مائية كبيرة من خلالها احتلالها للجولان، والذي تعادل مساحته 1% من مساحة سوريا الإجمالي، ويتمتع بمردود مائي يعادل 3% من المياه التي تسقط فوق سوريا، و14 % من المخزون المائي السوري.

وقد سعت "إسرائيل" مع توسع مستوطناتها في الجولان إلى إقامة المشاريع المائية، والتي ازدادت خاصة بعد قوانين الضم رسميا بتاريخ 14 ديسمبر 1981.

 

أما الأطماع الإسرائيلية في المياه اللبنانية فهي قديمة جدا، وقد عمدت الحكومة الإسرائيلية إلى تنفيذ مشاريعها للسيطرة على المياه اللبنانية من خلال تعطيل أي مشروع لبناني يرمي إلى الاستفادة من هذه المياه، أو من خلال الاستيلاء بالتقسيط عليها.

و في تتبع المسار التاريخي لسرقة المياه اللبنانية يكفي القول أن "إسرائيل" وبعد انسحابها من جنوب لبنان عام 2000، تستولي سنويا على حوالي (250 إلى 350 ) مليون متر مكعب من المياه.[9]

وتستغل إسرائيل حاليا، وبصورة كاملة، مياه الحاصباني، والوزاني، وبمعدل يتجاوز في معظم الأحيان مقدار 145 مليون متر مكعب سنويا.

وتمتد الأطماع الإسرائيلية التي ليس لها حدود إلى نهر النيل ونهر الفرات، وتسعى من خلال علاقاتها مع أثيوبيا ودول افريقية أخرى إلى جانب تركيا إلى فتح قنوات تعاون وإقامة مشاريع تمكنها من الحصول على المزيد من مياه المنطقة.

 

       لم يغفل الزعماء الإسرائيليون للحظة حلمهم بتوسيع حدود الدولة اليهودية، فبعد قيام دولة "إسرائيل" صرح ديفيد بن غوريون عام 1950:  "إن هذه الخريطة ـ أي خريطة فلسطين ـ ليست خريطة دولتنا بل لنا خريطة أخرى عليكم أنتم مسؤولية تصميمها، خريطة الوطن الإسرائيلي الممتدة من النيل إلى الفرات

       ويذكر مناحيم بيجين في كتابة الثورة الذي نشره عام 1950، وفي تحليله لقرار التقسيم: "بأنه منذ أيام التوراة وأرض "إسرائيل" تعد الأرض الأم لأبناء "إسرائيل"، وقد سميت هذه الأرض فيما بعد فلسطين، وكانت تشمل ضفتي نهر الأردن إن تقسيم الوطن عملية غير مشروعة، ولم يحظ هذا العمل باعتراف قانوني وإن توقيع الأفراد والمؤسسات على اتفاقية التقسيم باطلة من أساسها وسوف تعود أرض إسرائيل إلى شعب إسرائيل وإلى الأبد"، وفي عام 1966 قال ليفي اشكول مخاطباً الفيلسوف الفرنسي سارتر:  أن "إسرائيل" قسمت ثلاث مرات وكانت المرة الأولى عندما وضع نهري الحاصباني وبانياس خارج حدودها.[10]

 

       وعلى الرغم من المحاولات الحثيثة التي بذلتها الحركة الصهيونية قبل قيام دولة إسرائيل من أجل توسيع حدود الدولة لتضم منابع نهر الأردن ونهر الليطاني وعلى الرغم من استغلالها الجيد لفترة الانتداب البريطاني على فلسطين، حيث حصلت على امتياز لصالح شركة روتنبرغ من الحكومة البريطانية لاستغلال مياه نهر الأردن واليرموك لتوليد الطاقة الكهربائية وذلك لمدة 70 عاماً، ما أثر تأثيراً كبيراً على الأردن وحرمها من الاستفادة من مياهها، كما حاولت الحركة الصهيونية الاستعانة بالمهندس الأمريكي والتر كلاي ملك الذي وضع كتابه "أرض الميعاد" عام 1944، وجاء فيه أنه يمكن تأمين المياه لإسرائيل من مياه نهر الأردن واليرموك ونهر الليطاني، وكذلك يمكن توليد الطاقة الكهربائية بالاستفادة من الانخفاض الشديد للبحر الميت مع إمكانية إسكان أربعة ملايين يهودي. كما استطاعت إدخال مساحات هامة من الأراضي اللبنانية القريبة من بانياس واليرموك والمحيطة ببحيرة طبريا وأجزاء من الأراضي اللبنانية القريبة من الحاصباني، إلا أنه يمكن القول بأن الحركة الصهيونية لم تنجح في تحقيق مآربها في ضم جميع ما تصبوا إليه لأسباب كثيرة منها سياسية كالرفض الفرنسي في سوريا ولبنان واشتعال الثورات الفلسطينية المتوالية، والتي بدأت منذ اليوم الأول لإعلان الانتداب البريطاني على فلسطين، ولم تتمكن إسرائيل من تحقيق أهدافها إلا بعد قيامها عام 1948، حيث أخذت على عاتقها تطبيق ما جاء في أفكار وأطروحات منظريها ومخططيها، وكان أول مشروع تتبناه إسرائيل هو مشروع خطة السنين السبع، الذي يهدف إلى زيادة الموارد المائية في إسرائيل من 810 مليون م3 عام 1953  إلى 1730 مليون م3 في نهاية الخطة عام 1960، بزيادة قدرها 920 مليون م3 لري ما بين 600-1800 ألف فدان، على أن يتم تدبير كمية الزيادة من المصادر التالية: [11]

380  مليون م3 من مشاريع استثمار مياه الينابيع والمياه الجوفية والسطحية المختلفة داخل فلسطين المحتلة.

540 مليون م3 من مياه نهر الأردن وروافده وتتضمن الخطط إنشاء ستة مشاريع تشمل المناطق الرئيسة في إسرائيل:

   تجفيف بحيرة الحولة مشروع الجليل الأعلى،مشروع غور الأردن و مشروع الجليل الغربي، مشروع العوجا ـ اليركون لخدمة القسم الغربي من النقب، مشروع العوجا – اليركون لخدمة القسم الشرقي من النقب.

     إلا أن أهم مشاريع الخطة على الإطلاق هو مشروع تحويل مجرى نهر الأردن التي حاولت إسرائيل تنفيذه عام 1953، وقد اعتبر هذا المشروع هو المشروع المركزي الذي تستند إليه جميع المشاريع المائية الأخرى.

 

    ويهدف المشروع إلى تحويل مياه نهر الأردن إلى النقب، وقد أوكلت إسرائيل شركة ميكروت اليهودية بتنفيذه، ويتضمن المشروع العمليات التالية:

1-    تحويل مياه نهر الشريعة من موقع جسر بنات يعقوب جنوب بحيرة الحولة وإنشاء سد تحويلي لهذه الغاية وشق قناة مكشوفة بطاقة 435 مليون م3 سنوياً تمتد جنوبي الأرض المجردة من السلاح ثم إلى قرية الطابعة شمال غرب بحيرة طبريا.

2-     إسقاط 236 مليون م3 من منسوب 42م فوق مستوى سطح البحر من نهاية القناة إلى منسوب 210م تحت مستوى سطح البحر في بحيرة طبريا لتوليد الكهرباء.

3-     رفع 173 مليون م3 بالاستفادة من جزء من الطاقة المولدة إلى منسوب 42م فوق مستوى سطح البحر لمتابعة نقلها مع القسم المتبقي من تصريف القناة الأصلي إلى خزان صغير ينشأ في موقع سلمة "تسالمون".

4-    رفع كميات المياه المراد تحويلها إلى الجنوب من محطة ضخ تنشأ في سلمة إلى 110م لتصل إلى منسوب 150م فوق سطح البحر، ثم نقلها عبر نفق عيلبون إلى خزان البطوف الكبير، وهو مصمم لاستيعاب مليار م3 من المياه.

5-     نقل المياه من خزان البطوف عبر قناة من الإسمنت قطرها 2.75م لتصل إلى ضواحي تل أبيب للالتقاء بمشروعي العوجا ـ اليركون للنقب الشرقي والغربي لري مختلف الأراضي المعدة للاستثمار من منطقة النقب، ويهدف المشروع إجمالاً إلى الاستفادة من 602 مليون م3 تتجمع في نهر الأردن من المصادر التالية: 157 مليون م3 من نهر الحاصباني، 157 مليون م3 من نهر بانياس، 158 مليون م3 من نبع الأردن، 130 مليون م3 من ينابيع الحولة.

 

       إلا أن هذا المشروع فشل بسبب الشكوى السورية للأمم المتحدة، وصدور قرار مجلس الأمن الدولي لوقف المشروع في 24 سبتمبر 1953 ، وضغوط الولايات المتحدة على إسرائيل لوقف المشروع وإلا أوقفت المساعدات عنها، وهناك أسباب فنية تمثلت في عدم صلاحية مواقع التخزين بسبب نفاذية الطبقات الجيولوجية، ما يعمل على زيادة التسرب في المياه وعلى هذه الخلفية أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية إريك جونستون لبحث ترتيب الأوضاع المائية في المنطقة، فوضع مشروعاً عرف بخطة جونستون عام 1953، وتقضي الخطة بتوزيع مياه نهر الأردن المقدرة بـ 1213 مليون م3 على النحو التالي:   774 مليون م3 للأردن، 45 مليون م3لسوريا، 394 مليون م3 لإسرائيل.[12]

 

وتضمنت هذه الخطة العديد من المشاريع لاستغلال مياه نهر الأردن وهي كالآتي:

1- إنشاء سد على نهر الحاصباني لتخزين فائض الوارد الشتوي لنهر الأردن.

2- إنشاء قناة لحمل مياه أنهار بانياس والدان لري أراضي حوض الحولة.

3- تحويل مياه نهر اليرموك إلى قناة الغور الشرقية إلى بحيرة طبرية.

4- إنشاء قناة رئيسة شرق الأردن وقناة أخرى غربه.

5- تجفيف مستنقعات الحولة لزراعتها.

6- إنشاء الخزانات لحفظ مياه فيضانات الأودية على حسب ما تظهره الأبحاث التفصيلية.

7- استثمار مياه الآبار لأغراض الري في المناطق التي تتضح فيها صلاحية ذلك كما في أودية الغور.

8- إنشاء قناة تأخذ مياهها من أمام سد الحاصباني ويقام عليها محطة لتوليد القوة الكهربائية بالقرب من تل حي.

9- توليد الطاقة الكهربائية من نهر اليرموك وذلك بإنشاء سد المقارنة على النهر المذكور.

10- إنشاء ما يلزم من قنوات للتحكم في المياه الدائمة بالوديان جنوب بحيرة طبرية.

 

وقد رفض هذا المشروع من قبل الدول العربية للأسباب التالية:-

اعتبار الخطة لحوض نهر الأردن وحدة جغرافية واحدة دون مراعاة الحدود السياسية، اعطاء إسرائيل نسبة كبيرة من كمية مياه النهر ـ 32.4% ـ من مياه النهر في حين أن كمية المياه التي تساهم في تزويد النهر الواردة من داخل الأراضي الفلسطينية لا تتجاوز 23.1%.، وحرمان الأراضي العربية من مياه نهر اليرموك القريبة، والاختلاف في تقدير كمية مياه نهر الأردن، حيث قدرتها الدول العربية بـ 1429 مليون م3 توزع على النحو التالي:  977 مليون م3 للأردن، 232 مليون م3لسوريا، 35 مليون م3 للبنان، 285 مليون م3 "لإسرائيل"

 

       وفي ضوء فشل مشروع تحويل مجرى نهر الأردن ومشروع جونستون اضطرت إسرائيل للبحث عن بدائل لهذه الخطة، فاستعاضت عنها بخطة السنين العشر التي تنتهي عام 1963، وهي خطة معدلة عن خطة السنين السبع.

 

 

       وجاء التعديل في إعادة تصنيف المشاريع المتضمنة للخطة، وإدخال مشروع تحويل نهر الأردن من الشمال إلى النقب ومشروع تحويل مياه البحر المتوسط إلى وادي الأردن لتوليد الطاقة الكهربائية. ثم رفع كمية المياه المراد استخراجها من حوض الأردن من 540 مليون م3 إلى 700 مليون م،3 على أن تسحب 500 مليون م3 من مياه بحيرة طبريا إلى النقب بدلاً من الـ 340 مليون م3 المعتمدة سابقاً.

 

 

 

 

 

السّيطرة الإسرائيليّة على مخزون المياه الجوفية الفلسطينية

 

تشير الاتفاقيّة التي وقّعتها "إسرائيل" مع السّلطة الفلسطينيّة عام 1995 كملحقٍ من ملاحق أوسلو، مأسست استغلال إسرائيل لمخزون المياه الجبليّ، وهو مورد المياه الجوفيّة الواقع تحت الضفّة الغربيّة وأجزاءٍ من أراضي 1948، ويُعدّ المورد المائي الوحيد المتبقي للفلسطينيين ومن أهمّ مصادر المياه الجوفيّة لإسرائيل.

فقد نصَّت المعاهدة التي بموجبها تم تأسيس سلطة المياه الفلسطينيّة التابعة للسلطة الفلسطينيّة، وكذلك لجنة المياه المشتركة الإسرائيليّة- الفلسطينيّة، على أنَّه يجبُ الحصول على موافقة مسبقة من لجنة المياه المشتركة قبل البدء في أيّ مشروعٍ لاستخراج المياه الجوفيّة من المخزون الجبليّ أو أيّ مصدر آخر من مصادر المياه الجوفيّة في المناطق (C).[13]

كذلك نصّت المعاهدة على تخصيص 80% من موارد المياه الجوفيّة للاستخدام الإسرائيليّ، وتخصيص العشرين بالمئة المتبقّية للفلسطينيين.

ويبيِّنُ تقرير لمنظمة Amnesty أنَّ إسرائيل تواصل بشكلٍ ممنهَجٍ الإفراط في استخراج المياه للانتفاع ذاتياً إلى حدّ يفوق كثيراً الحصيلة السنوية المستدامة للمخزون الجبليّ، ما يؤثِّرُ على جودة المياه ووتيرة تدفّقها إلى الآبار الفلسطينيَّة وما يؤثِّرُ سلباً على الكمّيات المُخصَّصة للفلسطينيين ويضطَّرهم إلى شراء الماء الذي تستخرجه إسرائيل من المخزون الجوفيّ نفسه لسدّ النقص في إمداداتهم المائيّة، وهو الماءُ الذي بإمكان الفلسطينيين استخراجه بأنفسهم لو سمحَتْ لهم إسرائيل بفعل ذلك. [14]

 

 

 

شكَّلت حرب العام 1967 بِداية السّيطرة الإسرائيليّة على موارد الفلسطينيين المائيّة بشكلٍ مُباشرٍ، بداية من حرمانهم من الاستفادة بأيّ شكلٍ من الأشكال من مياه نهر الأردن، وصولاً إلى فرض سيطرتها المُطلقة على مخزون المياه الجبليّ الذي ترافق مع إصدار حشدٍ من الأوامر العسكريّة التي عملت على تنظيم السّيطرة الاستعماريّة على الموارد المائيّة وشملت قواعد وتنظيماتٍ تتعلّقُ بنقل، استخراج، استهلاك، بيع أو توزيع الماء والسّيطرة على استخدامه، مشاركته وتقنينه، أو بناء بنية تحتية لاستخراجه كحفر الآبار الجوفيّة، وضرورة استصدار أذونٍ للعمل في كلّ ما يتعلّق بالموارد المائيّة سواء كانت داخل الأرض أو على سطحها، بما يشمل الينابيع، البرك، الأنهار والتيّارات المائيّة، وكذلك سعر وكمّية المياه المخصّصة للاستخدام الفلسطيني السكّاني أو الزّراعي في المناطق المحتلّة.

 وبالتّوازي مع الأوامر العسكريَّة المتعلّقة بالسّيطرة المُباشرة على الموارد المائيّة، ثمّة أوامر عسكريّة تؤثِّر بشكل غير مُباشر على الموارد المائيّة، ومنها الأمر العسكريّ رقم 1015 للعام 1982، والذي يسمحُ للحاكم العسكريّ بمنع زراعة أشجار الفاكهة في الضفّة الغربيّة "للحفاظ على الموارد المائيّة والإنتاج الزراعي"، واستناداً إلى القرار الذي لم يُفعَّل بالممارسة فإنّ الأشجار المزروعة أصلاً يجبُ تسجيلها والحصول على رخصة زراعة لكلٍّ منها خلال 90 يوماً من تاريخ صدور الأمر، أمّا الأشجار غير المُرخَّصة فيجبُ اقتلاعها على نفقة صاحبها[15]

 

على الجانب الآخر، مكَّنت الحكومات الإسرائيليّة المُتعاقبة المستوطنين اليهود من إنشاء البنى التحتيّة اللازمة لاستخراج المياه للاستخدام الاستيطانيّ ومنحتهم التّصاريح اللازمة لحفر عدد من الآبار مُساوٍ للآبار الفلسطينيّة الموجودة أصلاً، وهي الممارسة التي قلَّصت من تدفّق المياه الجوفيّة المُستخرجة من قبل الفلسطينيين وزادت من ملوحتها.

وتتفاقم حالة اللاعدالة في توزيع المياه بين الفلسطينيين والمستوطنين بسبب نُدرة المياه المتدفّقة، وهي الحالة التي نشأت نتيجة للممارسات الصهيونيَّة المُفرطة في استخراج المياه وتخصيصها للمشاريع الاستيطانية الزّراعية وغير الزّراعية ما أثَّر على مخزون المياه الجبليّ. فوفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة، انخفضَ تدفقّ 530 ينبوعاً في الضفّة الغربيّة بشكلٍ كبيرٍ في العقود الأخيرة، مع وجود ما يقرب من 20% منها في حالة انخفاض تدفّقٍ كبيرة.

 

 

هذا الانخفاض هو نتيجة لسنوات متكرّرة من قلّة هطول الأمطار، والتي تفاقمت بسبب الإفراط في الاستخراج من قبل إسرائيل من مياه الآبار الجوفيّة الموجودة في كلّ من الضفّة الغربيّة وإسرائيل.

 وقد تأثَّر الفلسطينيون بشكلٍ خاصّ بنُدرة المياه المرتبطة بنقص متزايد في المياه الجوفيّة، في ظلّ حرمانهم من الوصول إلى مصادر مياه أخرى كنهر الأردن، أو إمكانيّة إنشاء محطّات تحلية مياه قُبالة بحر غزّة، فكانَ معدّل استهلاك الفلسطينيين للمياه (في 2015) 84.3 لتر للفرد الواحد يومياً، وهو أقلّ من الـ100 لتر المُوصى بها من قبل منظّمة الصحّة العالميّة، في حين وصل معدّل استهلاك المستوطنين في الضفّة الغربيّة إلى 300 لتر يومياً للفرد الواحد. 

 

 

 

 

قائمة المراجع

1-    القران الكريم

2-    أنس إبراهيم السّيطرة الإسرائيليّة على المياه.. ينابيع الضفّة الغربيّة كـ"مواقع ارتكاز" للممارسات الاستيطانية

3-    الجزيرة نت الصراع على المياه في الشرق الأوسط

4-    المركز الديموقراطي العربي قضايا المياه في الصراع العربي – الاسرائيلى “الرؤى و الإشكاليات”

5-    طارق المجذوب وزارة الاعلام اللبنانية

6-    وفا المياه في الصراع العربي- الإسرائيلي

7-     منظمة التحرير الأوامر العسكرية التي أصدرتها سلطات الاحتلال منذ عام 1967، بشأن المياه

8-    موقع منظمة التحرير السيطرة الصهيونية على المياه في فلسطين

9-     وفا المياه في الصراع العربي- الإسرائيلي

 



[1] سورة الأنبياء، آية 30.

[2]  سورة الواقعة، آية 68 – 70

[3] موقع منظمة التحرير السيطرة الصهيونية على المياه في فلسطين

[4] وفا المياه في الصراع العربي- الإسرائيلي

[5] المركز الديموقراطي العربي قضايا المياه في الصراع العربي – الاسرائيلى “الرؤى و الإشكاليات”

[6] المركز الديموقراطي العربي قضايا المياه في الصراع العربي – الاسرائيلى “الرؤى و الإشكاليات”

[7] وفا المياه في الصراع العربي- الإسرائيلي

[8] منظمة التحرير الأوامر العسكرية التي أصدرتها سلطات الاحتلال منذ عام 1967، بشأن المياه

[9] طارق المجذوب وزارة الاعلام اللبنانية

[10] المركز الديموقراطي العربي قضايا المياه في الصراع العربي – الاسرائيلى “الرؤى و الإشكاليات”

[11] المركز الديموقراطي العربي قضايا المياه في الصراع العربي – الاسرائيلى “الرؤى و الإشكاليات”

[12] الجزيرة نت الصراع على المياه في الشرق الأوسط

[13] أنس إبراهيم السّيطرة الإسرائيليّة على المياه.. ينابيع الضفّة الغربيّة كـ"مواقع ارتكاز" للممارسات الاستيطانية

[14] أنس إبراهيم السّيطرة الإسرائيليّة على المياه.. ينابيع الضفّة الغربيّة كـ"مواقع ارتكاز" للممارسات الاستيطانية

[15] أنس إبراهيم السّيطرة الإسرائيليّة على المياه.. ينابيع الضفّة الغربيّة كـ"مواقع ارتكاز" للممارسات الاستيطانية


Reactions:

تعليقات

التنقل السريع